العشرون : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجنايات والحدود . 
روى  الإمام أحمد  عن مربد بن عبد الله  عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآمر والقاتل قال : «قسمت النار سبعين جزءا فللآمر تسع وستون وللقاتل جزء وحسبه» . 
وروى الشيخان عن عدي بن الخيار  قال : إن المقداد بن عمرو الكندي  أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ قال : «لا تقتله» فقال : يا رسول الله ، إنه قطع إحدى يدي ، ثم قال ذلك بعد ما قطعها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقتله ، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» 
أي إباحة الدم ، لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم ،  فإذا أسلم فقتله أحد فإن قاتله مباح الدم . بحق القصاص ، لأنه بمنزلته في الكفر . 
وروى  النسائي  عن بريدة-  رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن هذا قتل أخي ، قال : «اذهب ، فاقتله كما قتل أخاك» ، فقال له الرجل : اتق الله ، واعف عني ، فإنه أعظم لأجرك ، وخير لك ولأخيك يوم القيامة ، قال : «فخلى عنه» ، قال : فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره بما قال له قال : فأعنفه أما إنه كان خيرا مما هو صانع بك يوم القيامة يقول : يا رب سل هذا فيم قتلني . 
وروى  البيهقي  عن ابن حارثة-  رضي الله تعالى عنه- أن رجلا ضرب رجلا على ساعده . 
وروى  الإمام أحمد  والشيخان  والبيهقي  عن  أبي هريرة   - رضي الله تعالى عنه- وزيد بن خالد الجهني  قالا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال : «إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها» . ثم بيعوها ولو بضفير . 
وروى  الإمام أحمد  عن  سهل بن سعد-  رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أسلم  جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحده وتركها . 
وروى  مسلم  عن  بريدة بن الحصيب-  رضي الله تعالى عنه- قال : أتى ماعز بن مالك  إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، طهرني ، فقال : «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» ، قال  [ ص: 302 ] فرجع غير بعيد ، ثم جاء فقال : يا رسول الله ، طهرني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، حتى إذا كانت الرابعة ، قال له رسول الله : «مم أطهرك ؟ » قال : من الزنا ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون ؟ فأخبر أنه ليس بمجنون ، فقال : أشرب خمرا ؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر ، فقال : أزنيت ؟ قال : نعم ، فأمر به فرجم ، فلبثوا يومين أو ثلاثة ، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «استغفروا لماعز بن مالك ،  لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم» ، ثم جاءته امرأة من غامد  من الأزد  فقالت : يا رسول الله ، طهرني ، فقال : «ويحك ارجعي ، فاستغفري الله وتوبي إليه» ، فقالت : تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ،  إنها حبلى من الزنا! فقال : أنت ؟ قالت : نعم ، قال لها : حتى تضعي ما في بطنك ، قال : فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد وضعت الغامدية ،  فقال : «إذن لا نرجمها ، وندع ولدها صغيرا ، ليس له من ترضعه ؟ » فقام رجل من الأنصار فقال : إلي رضاعه يا نبي الله ، قال فرجمها» . 
وروى الشيخان عن  أبي هريرة   - رضي الله تعالى عنه- قال : قال  سعد بن عبادة-  رضي الله تعالى عنه- : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة شهود ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم» قال : كلا ، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسمعوا إلى ما يقول سيدكم . إنه لغيور وأنا أغير منه . والله أغير مني» . 
وروى الشيخان عن  سهل بن سعد ،  قال جاء عويمر  إلى عاصم بن عدي-  رضي الله تعالى عنه- فقال : أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم  رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد أنزل القرآن فيك وفي صاحبتك ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه فلاعنها ، ثم قال : يا رسول الله ، إن حبستها فقد ظلمتها ، فطلقها فكانت سنة لمن بعدهما في المتلاعنين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين ، فلا أحسب عويمرا  إلا قد صدق عليها ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة ، فلا أحسب عويمرا  إلا قد كذب عليها . فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر  فكان بعد ينسب إلى أمه . 
وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني   وأبي هريرة   - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، فقال : يا رسول الله ، اقض بكتاب الله فقام خصمه فقال : صدق ، اقض له يا رسول الله بكتاب الله ، إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته ، فأخبروني أن على ابني الرجم ، فافتديت بمائة من الغنم ووليدة ، ثم سألت أهل العلم فزعموا أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام . فقال : والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله  [ ص: 303 ] 
أما الغنم والوليدة فرد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، وأما أنت يا أنيس ،  فاغد على امرأة هذا ، فارجمها فغدا أنيس  فرجمها . 
وروى  أبو داود  عن  جابر-  رضي الله تعالى عنه- قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهما قد زنيا فقال : «ائتوني بأعلم رجلين منكم» فأتوه بابني صوريا ،  فنشدهما كيف أمر هذين في التوراة ؟ قالا : نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة رجما ، قال : «فما يمنعكما أن ترجموهما ؟ » قالا : ذهب سلطاننا فكرهنا القتل ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما . 
وروى  أبو داود  عن  ابن عباس   - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا من بكر بن ليث  أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر بأنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة وكان بكرا ، ثم سأله النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة ، وكان بكرا ، ثم سأله البينة على المرأة ، فقالت : كذب والله يا رسول الله ، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم حد الفرية  ثمانين . 
وروى  الإمام أحمد  عن أبي أمية المخزومي-  رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فاعترف ، ولم يوجد معه متاع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخالك سرقت ؟ قال : بلى ، مرتين أو ثلاثا ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقطعوه ، ثم جاءوا به قال فقطعوه ، ثم جاءوا به ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل : أستغفر الله ، وأتوب إليه قال : أستغفر الله ، وأتوب إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ، تب عليه . 
وروى  الإمام أحمد   والبيهقي  عن مسعود بن الأسود-  رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المخزومية  التي سرقت قطيفة : يفديها يعني بأربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تطهر خير لها ، فأمر بها ، فقطعت يدها ، وهي من بني عبد الأسد .  
وروى  الإمام أحمد  عن  ابن عمر   - رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم تقطع يد السارق ،  قال : لا تقطع في ثمرة معلقة ، فإذا ضمه الجرين قطع في ثمن مجن ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا ضمها المراح قطعت في ثمن مجن . 
وروى  أبو داود   والنسائي  عن  ابن عمر   - رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق ؟ قال : من سرق شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع . 
وروى  الإمام أحمد   ومسلم   وأبو داود   والنسائي  عن  صفوان بن أمية-  رضي الله تعالى عنه- قال : بينا أنا راقد إذ جاء سارق ، فأخذ ثوبي فرفعناه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه ، فقلت : يا  [ ص: 304 ] 
رسول الله ، أفي حميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له قال : فهلا كان قبل أن تأتيني به . 
وروى  أبو داود   والنسائي  عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه اشتكى رجل حتى أضني فعاد جلدة على عظم ، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها ، فوقع عليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك ، وقال : استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني قد وقعت على جارية دخلت علي ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به ، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلد على عظم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ ، فيضربوه بها ضربة واحدة . 
وروى  النسائي  عن  ابن عباس   - رضي الله تعالى عنهما- أن قوما قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا وانتهكوا ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ،  إن الذي تقول وتدعونا إليه حسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فأنزل الله عز وجل والذين لا يدعون مع الله إلها   [الفرقان : 68] إلى آخر . . إلى فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات   [الفرقان : 70] قال يبدل الله شركهم إيمانا ، وزناهم إحصانا ونزلت قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم   [الزمر : 53] الآية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					