الباب الحادي والعشرون في بعض آيات وقعت لسلمان الفارسي   
وروي عن  ابن عباس ،  قال : حدثني  سلمان  قال : كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان ،  من جي ، ابن رجل من دهاقينها- وفي حديث ابن إدريس :  وكان أبي دهقان  أرضه ، وكنت أحب الخلق إليه- وفي حديث البكائي :  أحب عباد الله إليه ، فأجلسني في البيت كالجواري ، فاجتهدت في الفارسية- وفي حديث علي بن جابر :  في المجوسية- فكنت في النار التي توقد فلا تخبو ، وكان أبي صاحب ضيعة ، وكان له بناء يعالجه- زاد ابن إدريس  في حديثه : في داره- فقال لي يوما : يا بني ، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضيعة ، ولا تحتبس  [ ص: 248 ] فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك ، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون ، فملت إليهم وأعجبني أمرهم ، وقلت- هذا والله خير من ديننا . فأقمت عندهم حتى غابت الشمس ، لا أنا أتيت الضيعة ، ولا رجعت إليه ، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي ، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام .  
فرجعت إلى والدي ، فقال : يا بني ، قد بعثت إليك رسلا ، فقلت : مررت بقوم يصلون في كنيسة ، فأعجبني ما رأيت من أمرهم ، وعلمت أن دينهم خير من ديننا . فقال : يا بني ، دينك ودين آبائك خير من دينهم ، فقلت : كلا والله . فخافني وقيدني . 
فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم ، وسألتهم إعلامي من يريد الشام ،  ففعلوا ، فألقيت الحديد من رجلي ، وخرجت معهم ، حتى أتيت الشام ،  فسألتهم عن عالمهم ، فقالوا : الأسقف ، فأتيته ، فأخبرته ، وقلت : أكون معك أخدمك وأصلي معك ؟ قال : أقم . فمكثت مع رجل سوء في دينه ، كان يأمرهم بالصدقة ، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه ، حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، فتوفي ، فأخبرتهم بخبره ، فزبروني ، فدللتهم على ماله؛ فصلبوه ، ولم يغيبوه ورجموه ، وأحلوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا ، فألقى الله حبه في قلبي ، حتى حضرته الوفاة ، فقلت : أوصي ، فذكر رجلا بالموصل ،  وكنا على أمر واحد حتى هلك . 
فأتيت الموصل ،  فلقيت الرجل ، فأخبرته بخبري ، وأن فلانا أمرني بإتيانك ، فقال : أقم . 
فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة ، فقلت له : أوصي ، فقال : ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية .  
فأتيته بعمورية ،  فأخبرته بخبري ، فأمرني بالمقام وثاب لي شيئا ، واتخذت غنيمة وبقيرات ، فحضرته الوفاة ، فقلت : إلى من توصي بي ؟ فقال : لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنا عليه ، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم  الحنيفية ، مهاجره بأرض ذات نخل ، وبه آيات وعلامات لا تخفى ، بين منكبيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ،  فإن استطعت فتخلص إليه . فتوفي . 
فمر بي ركب من العرب ، من كلب ، فقلت : أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه ، وتحملوني إلى بلادكم ؟ فحملوني إلى وادي القرى ، فباعوني من رجل من اليهود ، فرأيت النخل ، فعلمت أنه البلد الذي وصف لي ، فأقمت عند الذي اشتراني ، وقدم عليه رجل من بني قريظة ، فاشتراني منه ، وقدم بي المدينة ،  فعرفتها بصفتها ، فأقمت معه أعمل في نخله ، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة ،  فنزل في بني عمرو بن عوف ، فإني لفي رأس  [ ص: 249 ] نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي ، فقال : أي فلان ، قاتل الله بني قيلة ، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة ،  يزعم أنه نبي ، [فوالله] ما هو إلا أن سمعتها ، فأخذني القر ورجفت بي النخلة ، حتى كدت أن أسقط ، ونزلت سريعا ، فقلت : ما هذا الخبر ؟ فلكمني صاحبي لكمة ، وقال : وما أنت وذاك ؟ أقبل على شأنك ، فأقبلت على عملي حتى أمسيت ، فجمعت شيئا فأتيته به ، وهو بقباء  عند أصحابه ، فقلت : اجتمع عندي ، أردت أن أتصدق به ، فبلغني أنك رجل صالح ، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة ، فرأيتكم أحق به ، فوضعته بين يديه ، فكف يديه ، وقال لأصحابه : كلوا . فأكلوا ، فقلت : هذه واحدة ، ورجعت . 
وتحول إلى المدينة ،  فجمعت شيئا فأتيته به ، فقلت : أحببت كرامتك فأهديت لك هدية ، وليست بصدقة ، فمد يده فأكل ، وأكل أصحابه ، فقلت : هاتان اثنتان ، ورجعت . 
فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد ،  وحوله أصحابه ، فسلمت ، وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره ، فعلم ما أردت ، فألقى رداءه ، فرأيت الخاتم ، فقبلته ، وبكيت ، فأجلسني بين يديه ، فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا  ابن عباس ،  فأعجبه ذلك ، وأحب أن يسمعه أصحابه ، ففاتني معه بدر وأحد بالرق ، فقال لي : كاتب يا  سلمان  عن نفسك ، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته ، على أن أغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب . 
فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أعينوا أخاكم بالنخل» ، فأعانوني بالخمس والعشر ، حتى اجتمع لي ، فقال لي : «فقر لها ولا تضع منها شيئا حتى أضعه بيدي» ، ففعلت ، فأعانني أصحابي حتى فرغت ، فأتيته ، فكنت آتيه بالنخلة فيضعها ، ويسوي عليها ترابا ، فأنصرف ، والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة ، وبقي الذهب ، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة ، من ذهب أصابه من بعض المعادن ، فقال : «ادع سلمان المسكين الفارسي  المكاتب» ، فقال : «أد هذه» فقلت : يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي ؟ وروى أبو الطفيل ،  عن  سلمان ،  قال : أعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب ، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه . 
وقيل : إنه لقي بعض الحواريين ، وقيل : إنه أسلم بمكة ،  وليس بشيء . 
وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ، ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق ، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه ، وبين  أبي الدرداء .  
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ،  قال : أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد القاري ،  أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان ،  أخبرنا أحمد بن عثمان بن أحمد بن السماك ،  أخبرنا يحيى ابن جعفر ،  أخبرنا حماد بن مسعدة ،  أخبرنا  ابن أبي ذئب ،  عن سعيد بن أبي سعيد ،  عن [ . . . ] .  [ ص: 250 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					