الخامسة والأربعون بعد المائة . 
وبأن نصف فراس الغنم فيها مثل مثلها في غيرها من البلاد .  
السادسة والأربعون بعد المائة . 
وبأنه لا يدخلها الدجال   . 
السابعة والأربعون بعد المائة . 
ولا الطاعون .  
الثامنة والأربعون بعد المائة . 
وبأنه -صلى الله عليه وسلم- صرف الحمى عنها أول ما قدمها ونقلها إلى الجحفة ،  ثم لما أتاه جبريل  بالحمى والطاعون أمسك الحمى بالمدينة  وأرسلت الطاعون إلى الشام .  
روى  الإمام أحمد  برجال ثقات عن أبي عسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : أتاني جبريل  بالحمى والطاعون فأمسك الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة ورجز على الكافر"  . 
قال السيد : والأقرب أن هذا كان في آخر الأمر بعد نقل الحمى بالكلية ، لكن قال الحافظ : لما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة  كان في قلة من أصحابه ، فاختار الحمى لقلة الموت بها على الطاعون لما فيها من الأجر الجزيل ، وقضيتها إضعاف الأجسام فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة ، ثم كانوا حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون حصلت له بالقتل في سبيل الله ، ومن فاته ذلك دخلت له الحمى التي هي حظ المؤمن من النار ثم استمر ذلك بالمدينة ،  يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها عن غيرها . 
قال السيد : وهو يقتضي عود شيء من الحمى إليها بآخرة الأمر ، والمشاهد في زماننا عدم خلوها منها أصلا ، لكن ليس كما وصف أولا بخلاف الطاعون ، فإنها محفوظة عنه الكلية ، فالأقرب 
أنه -صلى الله عليه وسلم- لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيئا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك ، فقال في دعائه :  "فحمى إذن أو طاعونا" 
أراد بالدعاء بالحمى الموضع الذي لا يدخله طاعون ، فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء ، بل هي رحمة بدعائه -صلى الله عليه وسلم- ، وقد استشكل قرن الدجال بالطاعون مع أن الطاعون شهادة ورحمة فكيف يمتدح بعدمه ؟  وقد يشكل من وجوه : 
الأول : أن كونه كذلك ليس لذاته ، وإنما المراد ترتب ذلك عليه ، وقد ثبت ذلك من رواية  الإمام أحمد   "يؤخذ أعداؤكم من الجن" فيكون الإشارة بذلك إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من الطعن به ، كما أن الدجال ممنوع منه ، ألا ترى أن قتل الكافر المسلم شهادة ، ولو ثبت ذلك أن الكفار لا تسلط عليه لحاز غاية الشرف .  [ ص: 333 ] 
الثاني : أن أسباب الرحمة لا تنحصر في الطاعون وقد عوضهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه الحمى حيث اختارها عند ما عرضها عليه كما تقدم ، وهي طهرة للمؤمن ، وحظه من النار ، والطاعون يأتي في بعض الأعوام ، والحمى تتكرر في كل حين ، فتعادلا ، وفيه نظر ، لأن تكثير أسباب الرحمة مطلوب ، ولأنه لا يرفع إشكال التمدح بعدمه . 
الثالث : أنه وإن اشتمل على الرحمة والشهادة ، فقد ورد أن سببه أشياء تقع من الأمة كظهور بعض المعاصي ، وقد روى  الإمام أحمد  بأسانيد حسان صحاح عن شرحبيل بن حسنة  وغيره "أنه- يعني الطاعون- رحمة ربكم ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم" . 
وروى  الإمام أحمد  تفسير كونه دعوة نبيكم عن أبي قلابة -رضي الله عنه- بأنه -صلى الله عليه وسلم- سأل ربه -عز وجل- أن لا يهلك أمته السنة ، فأعطانيها ، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم ، فأعطانيها ، وسأله أن لا يلبسهم شيئا ، ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعائه :  "فحمى إذا أو طاعونا" ثلاثا ، فقد تضمن الطاعون نوعا من المؤاخذة ، لأنه -صلى الله عليه وسلم- دعا به لتحصل كفاية إذاقة بعضهم بأس بعض ، ويكون هلاكهم حينئذ بسبب لا يعصون به فحفظ الله تعالى بلد نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الطاعون المشتمل على الانتقام إكراما لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وجعل لهم الحمى المضعفة للأبدان عن إذاقة بعضهم بأس بعض ، والمطهرة لهم ، بقوله -صلى الله عليه وسلم- : "فحمى إذا" أي للموضع الذي لا يدخله الطاعون بل عصم منه ، وهو جواره الشريف . 
وقوله : "أو طاعونا" أي للموضع الذي لم يعصم منه وهو سائر البلاد ، هذا ما قال السيد نور الدين ،  وهذا ما ظهر لي في فهم هذه الأحاديث وهو يقتضي شرف الحمى الواقعة بالمدينة ، وفضلها ، لأنها دعوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ورحمة بنا أيضا ، لأنها من لازم دعوته ولأنها جعلت في مقابلة الطاعون الذي هو رحمة لغيرهم فتكون الحمى رحمة لهم فهي غير حمى الوباء الذاهبة من المدينة ، والله تعالى أعلم . 
قال الحافظ : والحق أن المراد بالطاعون في هذه الأحاديث الذي ينشأ عن طعن الجن فيهيج به الدم في البدن ، فهذا لم يدخل المدينة  قط . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					