الحادي عشر : في ذكر جوده وزهده في الدنيا ، وجمل من مكارم أخلاقه (وتعظيم) الصحابة له- رضي الله تعالى عنهم  
قال : إني أستحي من الله -عز وجل- أن ألقاه ولم أمش إلى بيته ، فمشى عشرين حجة إلى مكة  من المدينة  على رجليه . 
وفي رواية : خمس عشرة ماشيا ، وإن النجائب لتقاد معه ، ولقد قاسم الله تعالى ثلاث مرات ، حتى إنه يعطى الخف ويمسك النعل . 
وخرج من ماله مرتين . قال  محمد بن سيرين :  ربما كان يجيز الواحد بمائة ألف ، واشترى حائطا من قوم من الأنصار  بأربعمائة ألف ، ثم إنه بلغه أنهم احتاجوا إلى ما في أيدي الناس ، فرده إليهم ، ولم يقل لسائل قط : لا ، وكان لا يأنس به أحد فيدعه يحتاج إلى غيره ، ورأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة ، ويطعم كلبا هناك لقمة ، فقال : ما يحملك على هذا ؟ قال : إني أستحي أن آكل ولا أطعمه ، فقال له الحسن :  لا تبرح حتى آتيك ، فذهب إلى سيده فاشتراه ، واشترى الحائط الذي هو فيه ، وأعتقه ، وملكه الحائط ، فقال الغلام : يا مولاي ، قد وهبت الحائط الذي وهبتني . 
وكان سيدا حليما زاهدا عاقلا فاضلا فصيحا ذا سكينة ووقار ، جوادا ، يكره الفتن وسفك الدماء ، دعاه ورعه وزهده وحلمه إلى أن ترك الخلافة ، وقال : خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا أو أقل أو أكثر فتنضح أوداجهم دما . 
وكان من أحسن الناس وجها ، وأكرمهم وأجودهم وأطيبهم كلاما ، وأكثرهم حياء ، وكان أكثر دهره (صائما) ، وكان فعله يسبق قوله في المكارم والجود ، وكان كثير الأفضال على إخوانه ، لا يغفل عن أحد منهم ، ولا  [ ص: 69 ] يحوجه إلى أن يسأله ، بل يبتدئه بالعطاء قبل السؤال . 
وقال لأصحابه : إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني ، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وما سمع كلمة فحشى قط ، وأعظم ما سمع أنه كان بينه وبين شخص خصومة ، فقال له : ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه . 
وقيل : إن  أبا ذر  يقول الفقر أحب إلي من الغنى ، والسقم أحب إلي من الصحة ، فقال : رحم الله  أبا ذر ،  أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله -عز وجل- لم يتمن شيئا غير الحالة التي اختارها الله -عز وجل- وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء . 
ومن كلامه : كن في الدنيا ببدنك ، وفي الآخرة بقلبك . 
وكان يقول لبنيه وبني أخيه : يا بني ، وبني أخي ، (يا بني ، وبني أخي) تعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه ، أو قال : يرويه ، فليكتبه وليضعه في بيته . 
وقد كان  أبو بكر الصديق   -رضي الله تعالى عنه- يجله ويعظمه ، ويحترمه ويكرمه ، وكذلك  عمر بن الخطاب   -رضي الله تعالى عنه- وقد جاء الحسن   والحسين  يوم الدار ،  وعثمان  محصور ومعهما السيف ليقاتلا عن  عثمان ،  فخشي عليهما ، فأقسم عليهما ليرجعا إلى منازلهما؛ تطييبا لقلب  علي ،  وخوفا عليهما ، وكان  علي   -رضي الله تعالى عنه- أرسلهما وأمرهما بذلك ، وكان  علي  يكرم الحسن  إكراما زائدا ويعظمه ، ويبجله . 
وكان  ابن عباس  يأخذ الركاب للحسن   والحسين  إذا ركبا ، ويرى هذا من النعم ، وكانا إذا طافا بالبيت  يكاد الناس يحطمونهما لما يزدحمون عليهما رضي الله تعالى عنهما . 
وكان  عبد الله بن الزبير   -رضي الله تعالى عنهما- يقول : والله ، ما قامت النساء عن مثل الحسن .  
وقال أبو جعفر الباقر :  جاء رجل إلى  الحسين بن علي   -رضي الله تعالى عنهما- فاستعان به في حاجة فوجده معتكفا ، فاعتذر إليه ، فذهب إلى أخيه الحسن ،  فاستعان به ، فقضى حاجته ، وقال : لقضاء حاجة أخ لي في الله -عز وجل- أحب إلي من اعتكاف شهر . 
وكان كثير التزوج ، وكان لا يفارقه أربع حرائر ، وكان مطلاقا مصداقا . 
وكان  علي   -رضي الله تعالى عنه- يقول لأهل الكوفة :  لا تزوجوه؛ فإنه مطلاق ، فيقولون : والله ، يا أمير المؤمنين ، لو خطب لنا كل يوم زوجناه منا؛ ابتغاء في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
الثاني عشر : في وصيته لأخيه  الحسين  رضي الله تعالى عنهما  
- قال  أبو عمر :  هو  [ ص: 70 ] ما روينا من وجوه أنه رأى في منامه مكتوبا بين عينيه قل هو الله أحد   [الصمد] ففرح بذلك ، فبلغ  سعيد بن المسيب   -رضي الله تعالى عنه- ذلك ، فقال : إن كان رأى هذه الرؤيا ، فقل ما بقي من أجله ، قال : فلم يلبث  الحسن بن علي   -رضي الله تعالى عنه- بعد ذلك إلا أياما حتى مات -رضي الله تعالى عنه- وقد أوصى أخاه  الحسين  ألا يطلب الخلافة ، ورغبه في الزهد في الدنيا ، والعروض عنها ، إلى غير ذلك من وصايا كثيرة . 
قال في آخرها : أبى الله -عز وجل- أن يجعل فينا أهل البيت مع النبوة والخلافة الملك والدنيا ، فإياك وطاعتها ، وإياك وأهل الكوفة  أن يستخفوك فيخرجوك ، فتندم حيث لا ينفع الندم ، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال : اللهم إني احتسبت نفسي عندك ، فإني لم أصب بمثلها ، فارحم صرعتي ، وآنس في القبر وحدتي ، وارحم غربتي ، يا أرحم الراحمين . 
وفي رواية قال : لما احتضر الحسن  قال : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار ، أنظر في ملكوت السماوات ، فأخرجوا فراشه إلى صحن الدار ، فرفع رأسه فنظر فقال : اللهم ، إني احتسبت نفسي عندك ، فإنها أعز الأنفس علي . 
الثالث عشر : في ولده رضي الله تعالى عنهم  
نقل الإمام شمس الدين سبط ابن الجوزي  في كتابه "تذكرة الخواص" عن الإمام الحافظ محمد بن سعد  في "الطبقات" قال : كان للحسن  محمد الأصغر ،  وجعفر ،  وحمزة ،   وفاطمة  ومحمد الأكبر ،  وزيد ،  والحسن ،  وأم الحسن ،  وأم الخير ،  وإسماعيل ،  ويعقوب ،  والقاسم ،  وأبو بكر ،  وعبد الله ،  قتلوا مع  الحسين .  وقيل : قتل معه القاسم  وأبو بكر ،  وقيل :  طلحة  وعبد الله  والعقب لزيد  والحسن ،  دون من سواهما ، والحسين الأشرم  وعبد الرحمن ،   وأم سلمة ،   وعمر ،  وأم عبد الله ،   وطلحة ،  وعبد الله الأصغر .  
وعن محمد بن عمر الأسلمي   -رحمه الله تعالى- أنهم خمسة عشر ذكرا وثمان بنات ، علي الأكبر  وعلي الأصغر ،  وجعفر ،   وفاطمة ،  وسكينة ،  وأم الحسن ،  وعبد الله ،  والقاسم ،  وزيد  وعبد الرحمن ،   وأحمد ،  وإسماعيل ،   والحسين ،  وعقيل ،  والحسن .  انتهى . 
اقتصر  البلاذري  في "الأنساب" على ذكر الحسن  وزيد  وحسين الأشرم ،  وعبد الله ،  وأبي بكر ،  وعبد الرحمن ،  والقاسم ،   وطلحة ،   وعمر .  
ونقل الإمام أبو جعفر محب الدين الطبري  في "الذخائر" عن أبي بشر   والدولابي ،  أنهم حسن ،  وعبيد الله ،   وعمر ،  وزيد ،  وإبراهيم ،  وعن أبي بكر بن الدراع  أنهم أحد عشر ابنا وبنتا : عبد الله ،  والقاسم ،  والحسن ،  وزيد ،   وعمر ،  وعبد الله ،  وعبد الرحمن ،   وأحمد ،  وإسماعيل ،   والحسين ،  وعقيل ،  وأم الحسن .  
 [ ص: 71 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					