الباب الخامس في إرساله- صلى الله عليه وسلم- حاطبا - رضي الله تعالى عنه- 
ابن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير أبا عبد الله ، وقيل : أبا محمد   شهد بدرا  والحديبية  ، إلى المقوقس   . 
قال في زاد المعاد : واسمه جريج بن ميناء  ملك الإسكندرية  عظيم القبط ، فقال خيرا ، وقارب الأمس ، ولم يسلم ، فلما حضر عنده ، قال حاطب  له : إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى ، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى  ، فانتقم به ثم انتقم منه ، فاعتبر به ، وإلا يعتبر بك ، فقال المقوقس   : هات ، قال : إن لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه ، وهو دين الإسلام ، الكافي به الله ، إن هذا النبي دعا الناس ، فكان أشدهم عليه قريش  ، وأعداؤهم له يهود ، وأقربهم منه النصارى ، وما بشارة موسى  لعيسى  إلا كبشارة عيسى  لمحمد   - صلى الله عليه وسلم- وما دعاؤنا إياك إلى القرآن ، إلا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدرك قوما فيهم أمتي ، فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي قال المقوقس   : إني نظرت في أمر هذا الرجل ، فوجدته لا يأمر بمرهوب منه ، ولا ينهى عن مرغوب عنه ، ولم أجده بالساحر الضلال ، ولا الكاهن الكذاب ، وقال المقوقس  لحاطب   : أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيا ؟ قال حاطب   : بل هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : ما باله لم يدع على قومه حيث أخرجوه من مكة  قال حاطب   : فقلت له : أفتشهد أن عيسى ابن مريم  رسول الله حيث أراد قومه قتله ؟ لم يدع عليهم حتى رفعه الله تعالى إليه ، فقال له : أحسنت ، إنك حكيم جئت من عند حكيم  . 
وروى  البيهقي  عن  حاطب بن أبي بلتعة  قال : بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المقوقس  ملك الإسكندرية  ، فأتيته فحييته بكتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنزلني في منزله وأقمت عنده ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته ، وقال : إني سأكلمك بكلام وأحب أن يفهمه مني ، قلت : هلم قال : أخبرني عن صاحبك ، أليس هو نبيا ؟ قلت : بلى ، هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، قال : فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها قال : قلت : عيسى ابن مريم  أليس تشهد أنه رسول الله ، فما له حيث أخذه قومه ، فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله- عز وجل- حتى رفعه الله إليه في السماء الدنيا قال : أنت حكيم جئت من حكيم  . 
وذكر ابن الربيع  أن المقوقس  لما قرأ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعطى لحاطب  مائة دينار ، وخمسة أثواب ، وأكرمه في الضيافة ، وأقام عنده خمسة أيام ، وقال له الرجل : لا يسمع  [ ص: 349 ] 
منك القبط حرفا واحدا أو واحدا ، وأخذ الكتاب فجعله في حق عاج ، ختم عليه ، ودفعه إلى جاريته ، وكتب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- كتابا ، وبعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهدية منها مارية القبطية  ، وأختها سيرين   - بالسين المهملة- وهبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-  لحسان بن ثابت  ، فولدت له عبد الرحمن   . قال في زاد المعاد : وأختها سيرين  وقيسرى  ، وأهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرسا ، يقال له : اللزاز ، وبغلته دلدل ، وحمارا ، وغلاما خصيا ممسوحا اسمه مايور  قال في زاد المعاد : فقيل : هو ابن عم مارية  ، وقدحا من قوارير ، كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشرب فيه ، وشابا من قباطي مصر  وطرفا من طروفهم ، قال في زاد المعاد : عشرين ثوبا ، وألف مثقال ذهبا ، وعسلا من عسل بنها  فأعجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالعسل ودعا في عسل بنها  ، وغير ذلك ، وكتب للنبي- صلى الله عليه وسلم- كتابا فيه «قد علمت أن نبيا قد بقي ، وكنت أظن أنه يخرج من الشام  ، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، ووصلت الهدايا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سنة سبع وقيل : سنة ثمان ولم يسلم  . 
قال في زاد المعاد : مات على كفره في ولاية  عمرو بن العاص  ، : قال النبي النبي- صلى الله عليه وسلم- : «ضن الخبيث بملكه ، ولا بقاء لملكه بل مات على كفره في ولاية  عمرو بن العاص  »  .  [ ص: 350 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					