جماع أبواب بعض الحوادث الكائنة بالمدينة  الشريفة في سني الهجرة غير ما تقدم 
باب مبدأ التاريخ الإسلامي وأسقطت ذكر بقية الأبواب لكثرتها . 
وفيه أنواع 
الأول : في بيان من ابتدأ بالتأريخ . 
روى  الحاكم  في «الإكليل» عن  ابن شهاب الزهري   -رحمه الله تعالى- ، قال : لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة  أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول .  
قال الحافظ -رحمه الله تعالى- : هذا معضل ، والمشهور خلافه . 
قلت : وهذا القول قدمه في الإشارة ، ورواه يعقوب بن سفيان   -بلفظ- : «التأريخ من يوم قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة  مهاجرا»  قال الحافظ ،   وابن عساكر :  وهذا أصوب ، والمحفوظ أن الآمر بالتاريخ عمر بن الخطاب . 
قال الشيخ -رحمه الله تعالى- في كتاب «التاريخ» : ويعضد الأول ما رأيته بخط ابن القماح  في مجموع له ، قال  ابن الصلاح :  وقفت على كتاب في «الشروط» لأبي طاهر محمش الزيادي  ذكر فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرخ بالهجرة حين كتب لنصارى نجران ، وأمر  عليا   -رضي الله تعالى عنه- أن يكتب فيه لخمس من الهجرة ، فالمؤرخ إذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  وعمر  تبعه في ذلك . 
وقد يقال : إن هذا صريح في أنه أرخ سنة خمس ، والحديث الأول فيه أنه أرخ يوم  [ ص: 37 ] قدومه المدينة ،   [ويجاب بأنه لا منافاة؛ فإن الظرف ، وهو قوله : يوم قدم المدينة]  ليس متعلقا بالفعل ، وهو أمر بالمصدر ، وهو التاريخ؛ أي : أمر أن يؤرخ بذلك اليوم؛ لأنه الأمر في ذلك اليوم؛ فتأمله ، فإنه نفيس جدا . انتهى كلام الشيخ -رحمه الله تعالى- . 
وروى  البخاري  في تاريخه «الصغير» عن  ابن عباس   -رضي الله تعالى عنه- قال : كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة . 
وروى  البخاري  في «صحيحه» ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة  في تاريخه عن  سهل بن سعد   -رضي الله تعالى عنه- زاد  ابن أبي شيبة  قال : أخطأ الناس العدد . انتهى؛ أي : لم يعدوا من مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا من متوفاه ، إنما عدوا من مقدمه المدينة .  
قال مصعب الزبيري :  وكان تاريخ قريش  من متوفى هاشم بن المغيرة؛ يعني آخر تاريخهم . 
قوله : «أخطأ الناس العدد» أي : أغفلوه وتركوه ، ثم استدركوه ولم يرد أن الصواب خلاف ما عملوا ، ويحتمل أن يريده ، وأنه كان يرى أن البداءة بالمبعث أو الوفاة أولى ، وله اتجاه . لكن الراجح خلافه . 
وقوله : «مقدمه» أي : زمن قدومه ، ولم يرد شهر قدومه؛ لأن التاريخ إنما وقع من أول السنة . 
قاله الحافظ- رحمه الله- . 
وقال عمرو بن دينار :  إن أول من أرخ في الكتب يعلى بن أمية  وهو باليمن .  
رواه الإمام أحمد  بسند صحيح لكن فيه انقطاع بين عمرو  ويعلى .  
الثاني : ذكروا في سبب عمل التاريخ أشياء . 
منها : ما رواه أبو نعيم- الفضل بن دكين ،  بضم الدال المهملة وفتح الكاف وسكون التحتية وبالنون ، شيخ  البخاري  في «تاريخه» من طريق  الشعبي  أن  أبا موسى   -رضي الله تعالى عنه- كتب إلى  عمر   -رضي الله تعالى عنه- : أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ ، فجمع  عمر  الناس ، فقال بعضهم : أرخ بالمبعث ، وبعضهم : أرخ بالهجرة . فقال  عمر :  الهجرة فرقت بين الحق والباطل ، فأرخوا بها ، وذلك سنة سبع عشرة ، فلما اتفقوا . قال بعضهم : ابدأوا برمضان ، فقال بعضهم : بل المحرم فإنه منصرف الناس من حجهم ، فاتفقوا عليه .  [ ص: 38 ] 
ومنها : ما رواه  الإمام أحمد ،   والبخاري  في «الأدب» وأبو عروبة الحراني  في «الأوائل»  والحاكم  من طريق ميمون بن مهران   -رحمه الله تعالى- قال : رفع  لعمر  صك محله شعبان ، فقال : أي شعبان : الماضي ، أو الذي نحن فيه أو الآتي ؟ ضعوا للناس شيئا يعرفونه من التاريخ . 
فقال بعضهم : اكتبوا على تاريخ الروم ، فقيل : إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين ، فهذا يطول ، وقال بعضهم : اكتبوا على تاريخ الفرس ، فقيل : إن الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله ، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا : كم أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة  فوجده عشر سنين ، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . 
وروى  ابن عساكر  عن  سعيد بن المسيب   -رحمه الله تعالى- قال : أول من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته ،  فكتب لسنة عشر من المحرم بمشورة علي . 
وروى ابن أبي خيثمة  عن  ابن سيرين  قال : قدم رجل من اليمن  فقال : رأيت شيئا يسمونه التاريخ يكتبون من عام كذا وبشهر كذا ، فقال عمر :  هذا حسن فأرخوا ، فلما أجمع على ذلك قال قوم : أرخوا للمولد ، وقال قائل : للمبعث ، وقال قائل : من حين خرج مهاجرا ، وقال آخرون : من حين توفي ، فقال  عمر :  «أرخوا من خروجه من مكة  إلى المدينة» .  
ثم قال : بأي شهر نبدأ ؟ فقال قوم : برجب ، وقال قوم : برمضان . فقال  عثمان :  أرخوا من المحرم ، فإنه شهر حرام ، وهو أول السنة ، ومنصرف الناس من الحج ، قال : فكان ذلك سنة سبع عشرة في ربيع الأول من الهجرة . 
وروى  الحاكم  عن  سعيد بن المسيب   -رحمه الله تعالى- لما جمع  عمر  الناس سألهم : من أي يوم نكتب التاريخ ، فقال  علي   -رضي الله تعالى عنه- من يوم هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وترك أرض الشرك ، ففعله عمر . 
قال الحافظ -رحمه الله تعالى- : واستفدنا من مجموع هذه الآثار أن الذي أشار بالمحرم  عمر ،   وعثمان ،   وعلي   -رضي الله تعالى عنهم- . 
الثالث : 
وقد أبدى بعضهم بالبداءة بالهجرة مناسبة فقال : كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربع : مولده ، ومبعثه ، وهجرته ، ووفاته ، فرجح عندهم جعلها من الهجرة؛ لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين سنته . 
وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه؛ لما يوقع تذكره من الأسف عليه فانحصر في الهجرة ، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم؛ لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم ، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة ، وهي مقدمة الهجرة ، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم ، فناسب أن يجعل مبتدأ .  [ ص: 39 ] 
قال الحافظ : «وهذا أقوى ما وقفت عليه في مناسبة الابتداء بالمحرم» . 
قال الشيخ -رحمه الله تعالى- : وقفت على نكتة في جعل المحرم أول السنة . 
وروى  سعيد بن منصور  في «سننه»  والبيهقي  في «الشعب» بإسناد حسن ، عن  ابن عباس   -رضي الله تعالى عنهما- قال في قوله تعالى : والفجر   [الفجر 1] قال : الفجر شهر المحرم ، وهو فجر السنة» . 
قال الحافظ في أماليه : بهذا يحصل الجواب عن الحكمة في تأخير التاريخ من ربيع الأول إلى المحرم . بعد أن اتفقوا على جعل التأريخ من الهجرة وأن كانت في ربيع الأول .  
روى  البخاري  في «تاريخه» عن  عبيد بن عمير   -رحمه الله تعالى- قال : المحرم شهر الله ، وهو رأس السنة ، فيه يؤرخ التاريخ ، وفيه يكسى البيت ، ويضرب فيه الورق . 
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر   -رحمه الله تعالى- : ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد الوراق  المعروف ب : ابن . . . ] أن أول المحرم سنة الهجرة كان يوم الخميس ، اليوم الثاني من أيام سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة لذي القرنين . قلت : أي اليوناني ، لا الذي ذكر في القرآن . انتهى . 
				
						
						
