الباب الحادي عشر في حياته في قبره ، وكذلك سائر الأنبياء- عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام- 
قال الشيخ- رحمه الله تعالى- في كتابه «أنباء الأزكياء بحياة الأنبياء» : حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- في قبره  هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت به الأخبار . 
وقال الشيخ جمال الدين الأردبيلي الشافعي  في كتابه «الأنوار في أعمال الأبرار» : قال  البيهقي  في كتاب «الاعتقاد» : الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم؛ فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقد رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- جماعة منهم ، وأمهم في الصلاة ، وأخبر ، وخبره صدق ، أن صلاتنا معروضة عليه ، وأن سلامنا يبلغه ، والله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء . 
وقال  القرطبي  في «التذكرة» في حديث الصعقة نقلا عن شيخه : الموت ليس بعدم محض ، وإنما هو انتقال من حال إلى حال ، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين ، وهذه صفة الأحياء في الدنيا ، وإذا كان هذا في الشهداء؛ فالأنبياء أحق بذلك وأولى وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، وأنه- صلى الله عليه وسلم- اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس  وفي السماء ، ورأى موسى  قائما يصلي في قبره . 
وأخبر- صلى الله عليه وسلم- بأنه يرد السلام على كل من يسلم عليه . 
إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم ، وإن كانوا موجودين أحياء ، وذلك كالحال في الملائكة؛ فإنهم موجودون أحياء ، ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله بكرامة من أوليائه . 
وقال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي  شيخ الشافعية في «فتاويه» : قال المتكلمون المحققون من أصحابنا : إن نبينا- صلى الله عليه وسلم- حي بعد وفاته ، وإنه يسر بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم ، وإنه تبلغه الصلاة من يصلي عليه من أمته . 
وقال : إن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئا ، وقد مات موسى  في زمانه وأخبر نبينا- صلى الله عليه وسلم- أنه رآه في قبره مصليا ، وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء وآدم  وإبراهيم ،  وقالوا له : مرحبا ، وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا : نبينا- صلى الله عليه وسلم- قد صار حيا بعد وفاته وهو على نبوته ، انتهى . 
وقال سيدي الشيخ عفيف الدين اليافعي   - رحمه الله تعالى- : الأولياء ترد عليهم أحوال  [ ص: 356 ] يشاهدون فيها ملكوت السماوات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات ، كما نظر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى موسى  عليه السلام في قبره . 
قال : وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء من معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي ،  قال : ولا ينكر ذلك إلا جاهل ، ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة؛ فلنكتف بهذا القدر . 
وروى  أبو داود   والنسائي   وابن ماجه  عن أوس الثقفي  مرفوعا . [ إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم تعرض علي ، قالوا : يا رسول الله ، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت- يعني بليت- فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء   ] . 
وروى الإمام  أحمد   وأبو داود   والبيهقي  بسند صحيح عن  أبي هريرة   - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي  حتى أرد عليه السلام » . 
وروى  أبو يعلى   : حدثنا أبو الجهم الأزرق بن علي ،  حدثنا يحيى بن أبي بكر ،  حدثنا المسلم بن سعيد  عن الحجاج-  زاد  ابن عدي   - ابن الأسود  عن  ثابت البناني   . 
قال الحافظ في «التقريب» : أبو الجهم الأزرق  صدوق يغرب ، ويحيى بن أبي بكير  من رجال  البخاري  والمستلم بن سعيد   . قال الإمام  أحمد   : شيخ ثقة . 
وقال  النسائي   : لا بأس به ، وذكره  ابن حبان  في «الثقات» . 
وقال الحافظ : صدوق عابد ، ربما وهم ، وشيخه الحجاج . 
قال الحافظ عبد الغني بن سعيد  في الإيضاح : الإشكال هو حجاج بن حجاج ،  وهو حجاج الأسود  الذي روى عنه جعفر بن سليمان ،  ومستلم بن سعيد ،  وهو حجاج الباهلي ،  وهو الحجاج بن الحجاج ،  وهو حجاج الأحول ،  وهو حجاج زق العسل   . انتهى . 
وحجاج هذا قال الإمام  أحمد   : ليس به بأس . 
وقال  ابن معين   : ثقة . 
وقال أبو حاتم   : ثقة من الثقات صدوق . 
وقال الحافظ : ثقة وثابت لا يسأل عنه . 
وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد   : حدثنا إبراهيم بن علي الجبائي ،  حدثنا يحيى بن محمد بن ساعدة   . حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن أبي بكير ،  ثنا يحيى بن أبي بكير  به . 
وقال  ابن عدي   : حدثنا قسطنطين بن عبد الله الرومي ،  حدثنا  الحسن بن عرفة ،  حدثنا  [ ص: 357 ] 
الحسن بن قتيبة المدائني ،  ثنا المستلم بن سعيد  عن الحجاج بن الأسود  عن  ثابت البناني  عن  أنس   - رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : « الأنبياء أحياء في قبورهم  يصلون » . 
وروى  أبو يعلى  عن  أبي هريرة   - رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : « والذي نفسي بيده لينزلن عيسى ابن مريم ، ثم لئن سلم علي لأجبته » . 
وروى محمد بن يحيى بن أبي عمر   - برجال ثقات- عن  أبي هريرة   - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : « إن عيسى ابن مريم يكون مارا بالمدينة حاجا أو معتمرا ، ولئن سلم علي لأردن عليه » . 
وروى  ابن النجار  عن إبراهيم بن يسار ،  قال : حججت في بعض السنين ، فجئت المدينة ، فتقدمت إلى قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه ، فسمعت من داخل الحجرة : وعليك السلام . 
قال البازري  في «التوثيق» : أن سليمان بن شحم  قال : رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في النوم فقلت : يا رسول الله ، هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك ، أتفقه سلامهم ؟ قال : نعم ، وأرد عليهم . 
وروى  أبو نعيم  في «الدلائل» عن  سعيد بن المسيب  قال : لقد رأيتني ليالي الحرة ، وما في المسجد غيري ، وما يأتي وقت أذان إلا سمعت الأذان من القبر . 
وروى  الزبير بن بكار  عنه قال : لم أزل أسمع الأذان والإقامة في قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أيام الحرة حتى عاد الناس . 
وروى ابن سعد  عنه أنه كان يلازم الناس أيام الحرة والناس يقتتلون قال : فكنت إذا حانت الصلاة أسمع أذانا يخرج من القبر الشريف . 
وروى  الدارمي  في مسنده : أنبأنا مروان بن محمد  عن سعيد بن عبد العزيز  قال : لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثا ولم يقم ، ولم يبرح  سعيد بن المسيب  المسجد ، وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- . 
وروى  ابن ماجه  بإسناد جيد عن  أبي الدرداء   - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة ، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حين يفرغ منها» قال : قلت : وبعد الموت ؟ 
قال : وبعد الموت ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-  . 
قال  ابن ماجه   : فنبي الله حي يرزق في قبره .  [ ص: 358 ] 
ورواه  الطبراني   - بلفظ- : ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صوته حيث كان ، ورجالهما ثقات ، لكنه منقطع . 
وروى  البيهقي  في «الشعب» والأصبهاني  في «الترغيب» عن  أبي هريرة   - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي نائيا بلغته  . 
وروى  البخاري  في «تاريخه» عن  عمار   - رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : « إن الله تعالى خلق ملكا أعطاه أسماع الخلائق قائما على قبري ، فما من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغنيها » . 
وروى  البيهقي  في «حياة الأنبياء» والأصبهاني  في «الترغيب» عن  أنس   - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « من صلى علي مائة مرة في يوم الجمعة ، أو ليلة الجمعة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة  وثلاثين من حوائج الدنيا ، ثم وكل الله بذلك ملكا يدخله علي في قبري كما يدخل عليكم الهدايا ، إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة » . 
ولفظ  البيهقي   : يخبرني بمن صلى علي بعد موتي باسمه ونسبه ، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء . 
وروى  البيهقي  عن  أنس   - رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : « أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ، ولكن يصلون بين يدي الله عز وجل حتى ينفخ في الصور » . 
قال  البيهقي   : المراد والله تعالى أعلم لا يصلون إلا هذا المقدار ، ثم يكونون مصلين ، فيما بين يدي الله عز وجل . 
وقال الثوري  في «جامعه» : قال شيخ لنا عن  سعيد بن المسيب  قال : ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين صباحا  حتى يرفع . 
ورواه  عبد الرزاق  في «مصنفه» عن الثوري  عن أبي المقدام  عن سعيد  به . 
قال الزركشي  وأبو المقدام ،  هو ثابت بن هرمز ،  شيخ صالح . 
قلت : ويقال : إهريمز ،  وثقه ابن المديني   وأبو داود   والنسائي  ويعقوب  وابن سفيان   . 
قال الحافظ في «القريب» : صدوق يهم . 
وقال ابن القطان :  لا أعلم أحدا ضعفه غير  الدارقطني ،  ومثل هذا لا يقال من جهة الرأي .  [ ص: 359 ] 
وروى  أبو الشيخ  عن شيخه عبد الرحمن بن أحمد الأعرج   : حدثنا الحسن بن صباح   : «من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى» ، قيل : يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهل تتكلم الموتى ؟ قال : «نعم؛ ويتزاورون»  . 
وروى  ابن حبان  في «المجروحين» من طريق الحسن بن يحيى الخشني  عن  أنس   - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا حتى ترد إليه روحه » . 
الحسن ضعفه الأكثر ، وقال دحيم   : لا بأس به . 
وقال أبو حاتم :  صدوق سيئ الحفظ ووثقه  ابن معين  في رواية ابن أبي مريم   . 
وقال  أبو داود   : لا بأس به . 
وقال الشيخ في تهذيب موضوعات  ابن الجوزي   : لهذا الحديث شواهد يرتقى بها إلى درجة الحسن . 
قال  البيهقي   : فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله تعالى . 
				
						
						
