تنبيهات 
الأول : قال في "الروض" : 
قوله صلى الله عليه وسلم :  "أحبوا الله من كل قلوبكم" ، 
يريد أن تستغرق محبة الله تعالى جميع أجزاء القلب ،  فيكون ذكره وعمله خارجا من قلبه خالصا لله . وتقدم الكلام على محبته لعبده ، ومحبة العبد لربه في اسمه صلى الله عليه وسلم : "حبيب الله" . 
وقوله صلى الله عليه وسلم :  "ولا تملوا كلام الله وذكره . فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي" 
قال السهيلي :  الهاء في قوله : (فإنه ) لا يجوز أن تكون عائدة على كلام الله تعالى ، ولكنها  [ ص: 333 ] ضمير الأمر والحديث ، فكأنه قال : إن الحديث من كل ما يخلق الله يختار ، فالأعمال إذا كلها من خلق الله ، قد اختار منها ما شاء ، قال سبحانه : وربك يخلق ما يشاء ويختار  
وقوله : "قد سماه الله خيرته من الأعمال" ، يعني الذكر وتلاوة القرآن [لقوله سبحانه : 
"ويختار" فقد اختاره من الأعمال] . وقوله : "والمصطفى من عباده" : أي سمى المصطفى من عباده بقوله تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس   [الحج 75] ويجوز أن يكون معناه : المصطفى من عباده ، أي العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم ، فلا تكون "من" على هذا للتبعيض ، إنما تكون لابتداء الغاية ، لأنه عمل استخرجه منهم لتوفيقه إياهم ، والتأويل الأول أقرب مأخذا . والله أعلم بما أراد رسوله" . 
وقوله في أول الخطبة :  "إن الحمد لله أحمده" ، هكذا برفع الدال [من قوله : الحمد لله] وجدته مقيدا مصححا عليه ، وإعرابه ليس على الحكاية ، ولكن على إضمار الأمر ، كأنه قال : "إن الأمر الذي أذكره" ، حذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم شيئا في اللفظ من الأسماء على قوله : "الحمد لله" . وليس تقديم "إن" في اللفظ من باب تقديم الأسماء لأنها حرف مؤكد لما بعده ، مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به ، والله أعلم . 
الثاني : اختلف في تسمية اليوم بذلك ، مع أنه كان اتفاقا يسمى في الجاهلية : 
"العروبة" - بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة- قلت : قال أبو جعفر النحاس  في كتابه : 
"صناعة الكتابة" : لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا ، ومعناه : اليوم المبين المعظم ، من أعرب : إذا بين . فقيل : سمي بذلك لأن الخلائق جمعت فيه ، ذكره أبو حذيفة البخاري  في "المبتدأ" عن  ابن عباس ،  وإسناده ضعيف . وقيل : لأن خلق آدم جمع فيه . 
وروى الإمام  أحمد   والنسائي   وابن خزيمة   وابن أبي حاتم  عن  سلمان  رضي الله عنه قال : 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "أتدري ما يوم الجمعة؟" قلت : الله ورسوله أعلم . قالها ثلاث مرات . قال في الثالثة : "هو اليوم الذي جمع فيه أبوكم آدم"  . 
الحديث ، وله شاهد عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، رواه  ابن أبي حاتم  بإسناد قوي ، والإمام  أحمد  مرفوعا بإسناد ضعيف . قال الحافظ : "وهذا أصح . ويليه ما رواه  عبد الرزاق  عن  ابن سيرين  بسند صحيح إليه ، في قصة تجميع الأنصار ، مع  أسعد بن زرارة .  وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة ، صلى بهم فيه وذكرهم ، فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه" . وقيل : "سمي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه" . وبهذا جزم  ابن حزم  فقال : إنه اسم إسلامي لم يكن في الجاهلية ، وإنما كان يسمى العروبة . وفيه نظر ، فقد قال أهل اللغة : إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية ، وقالوا : الجمعة هو يوم العروبة . والظاهر أنهم غيروا الأيام السبعة بعد أن كانت : أول وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار .  [ ص: 334 ] 
وقال الجوهري :  وكانت العرب تسمي يوم الاثنين "أهون" في أسمائهم القديمة . فهذا يشعر بأن لها أسماء ، وهي هذه المتعارفة إلى آخرها الآن . وقيل : إن أول من سمى العروبة "الجمعة" كعب بن لؤي ،  فيحتاج من قال إنهم غيروها إلى الجمعة ، فأبقوها على تسمية العروبة إلى نقل خاص . 
الثالث : تقدم أن صلاة الجمعة صلتها الصحابة بالمدينة  قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ،  فقيل : ذلك بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم ، لما رواه  الدارقطني  عن  ابن عباس ،  قال : أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجمعة قبل أن يهاجر ، ولم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بمكة ولا [يبدي] لهم ، 
فكتب إلى  مصعب بن عمير  رضي الله عنه :  "أما بعد ، فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم ، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم ، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين"  . 
قال : فأول من جمع  مصعب بن عمير ،   حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،  فجمع عند الزوال من الظهر ، وأظهر ذلك . وفي سنده أحمد بن محمد بن غالب الباهلي ،  وهو متهم بالوضع . قال في "الزهر" : "والمعروف في هذا المتن الإرسال ، رويناه في كتاب "الأوائل" لأبي عروبة الحراني"  قال : "حدثنا هاشم بن القاسم ،  حدثنا ابن وهب ،  حدثنا  ابن جريج  عن سليمان بن موسى ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى  مصعب  به" . وقيل باجتهاد الصحابة ، روى  عبد الرزاق  بإسناد صحيح عن  محمد بن سيرين  قال : جمع أهل المدينة  قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن تنزل الجمعة ، فقالت الأنصار : إن لليهود يوما يجمعون فيه كل سبعة أيام ، وللنصارى مثل ذلك ، فهلموا فلنجعل يوما نجمع فيه فنذكر الله ونصلي ونشكر . فجعلوه يوم العروبة ، واجتمعوا إلى  أسعد بن زرارة ،  فصلى بهم يومئذ ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله   [الجمعة 9] قال الحافظ : وهذا وإن كان مرسلا ، فله شاهد بإسناد حسن ، رواه  أبو داود   وابن ماجه ،  وصححه  ابن خزيمة  وغير واحد ، من حديث  كعب بن مالك  قال :  "كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة   أسعد بن زرارة"  ، الحديث ، وقد تقدم ، فمرسل  ابن سيرين  يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة باجتهاد ، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة ،  فلم يتمكن من إقامتها كما في حديث  ابن عباس  والمرسل بعده ، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة  كما حكاه  ابن إسحاق  وغيره ، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بخبر نبي البيان والتوفيق . وقيل : الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم  فيه ، والإنسان إنما خلق للعبادة ، فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه ، وكان الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها ، فناسب أن يشكر الله على ذلك بالعبادة فيه ،  ولهذا تتمة تأتي في الخصائص إن شاء الله تعالى .  [ ص: 335 ] 
				
						
						
