[ ص: 11 ] الثالث : أول من صنف في المغازي   عروة بن الزبير  أحد أئمة التابعين ، ثم تلاه تلميذاه : 
 موسى بن عقبة ،  ومحمد بن شهاب الزهري .  
قال الإمام  مالك  رحمه الله : مغازي  موسى بن عقبة  أصح المغازي . وقول السهيلي :  إن مغازي  الزهري  أول ما صنف في الإسلام ليس كذلك . وأجمع الثلاثة ، وأشهرها مغازي أبي بكر محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني ،  نزل العراق  رحمه الله تعالى ، وقد تكلم فيه جماعة وأثنى عليه آخرون . والمعتمد أنه صدوق يدلس ، وإذا صرح بالتحديث فهو حسن الحديث . 
قال الإمام  الشافعي  رحمه الله : من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على  ابن إسحاق ،  وقد اعتمد عليه في هذا الباب أئمة لا يحصون ، ورواها عن جمع ، ويقع عند بعضهم ما ليس عند بعض ، وقد اعتمد أبو محمد عبد الملك بن هشام  رحمه الله على رواية أبي محمد زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري البكائي   -بفتح الموحدة وتشديد الكاف- وهو صدوق ثبت في المغازي ، وفي حديثه عن غير  ابن إسحاق  لين ، فرواها ابن هشام  عنه وهذبها ونقحها ، وزاد فيها زيادات كثيرة ، واعترض أشياء سلم له كثير منها ، بحيث نسبت السيرة إليه . 
وقد اعتنى بكتاب ابن هشام  أئمة من العلماء ، فشرح الإمام الحافظ أبو ذر الخشني  رحمه الله غريب لغاته ، وهو على اختصاره مفيد جدا ، وشرح الإمام أبو القاسم السهيلي  كثيرا من مشكلها ، واختصره الحافظ الذهبي  وسماه بلبل الروض ، وأجحف في اختصاره الشمس محمد بن أحمد بن موسى الكفيري الدمشقي  والتقي يحيى بن شيخ الإسلام الشمس الكرماني ،  وسماه كل منهما زهر الروض ، والعلامة الشيخ عز الدين بن جماعة ،  وسماه «نور الروض» والعلامة جمال الدين محمد بن مكرم  صاحب «لسان العرب» ورأيت لبعض المحققين من السادة الحنفية حواشي مفيدة على هوامش نسخة من الروض نكت عليه فيها كثيرا ، وعلق الحافظ علاء الدين مغلطاي  رحمه الله تعالى على الروض والسيرة كتابا في مجلدين ، رأيته بخطه تعقب فيه السهيلي  كثيرا في النقل ، وذكر شرح كثير من غريب السيرة الذي أخل به ، وهو شيء كثير ، واختصره العلامة المرجاني  وسماه روائح الزهر . 
ولأبي أحمد محمد بن عايذ -بالتحتية ، والذال المعجمة- القرشي الدمشقي  الكاتب كتاب كبير في ثلاثة مجلدات ، فيه فوائد ليست في كتاب ابن هشام .  
ولأبي عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي البغدادي  كتاب جليل ، جمع فيه غالب الروايات عن  ابن إسحاق  مع زوائد كثيرة ، ولأبي عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي  رحمه الله تعالى كتاب كبير في المغازي أجاد فيه ، وهو وإن وثقه جماعة وتكلم فيه آخرون ، فالمعتمد أنه متروك ، ولا خلاف  [ ص: 12 ] أنه كان من بحور العلم ومن سعة الحفظ بمكان ، وقد نقل عنه في هذا الباب أئمة من العلماء ، منهم الحافظان : أبو نعيم الأصفهاني  وأبو بكر البيهقي  رحمهما الله تعالى في دلائلهما . ومن المتأخرين الحافظ ابن كثير  رحمه الله في السيرة النبوية من تاريخه ، والحافظ  رحمه الله في الفتح وغيره ، وشيخنا رحمه الله في الخصائص الكبرى ، فاقتديت به ، ونقلت عنه ما لم أجده عند غيره . ثم رأيته ذكر في غزوة الحديبية  عن المقداد بن الأسود  رضي الله عنه شيئا ، والمشهور أن المقداد  قاله في غزوة بدر ،  ولم أر أحدا من أصحاب المغازي التي وقفت عليها ذكره في غزوة الحديبية  فأعرضت عن النقل عنه ، ثم بعد ذلك رأيت أبا بكر بن أبي شيبة  رواه في المصنف من غير طريق  الواقدي ،  عن  عروة بن الزبير ،  فاستخرت الله تعالى في النقل عنه ، وذكر بعض فوائده فإنه كما قال الحافظ أبو بكر الخطيب :  ممن انتهى إليه العلم بالمغازي في زمانه ، وليس في ذلك شيء يتعلق بالحلال والحرام ، بل أخبار عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسرايا أصحابه ترتاح لها قلوب المحبين ، وألف العلماء في هذا الباب كتبا لا يحصيها إلا الله تعالى ، سأذكر النقل مما وقفت عليه النقل منها . 
				
						
						
