ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم  
روى  البيهقي  عن  المقداد بن عمرو  رضي الله عنه فذكر حديثا في يوم أحد  وقال : فأوجعوا والله قتلا ذريعا ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نالوا ، ألا والذي بعثه بالحق إن زال رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا واحدا ، وإنه لفي وجه العدو ويفيء إليه طائفة من أصحابه مرة ، وتفترق  [ ص: 197 ] مرة عنه ، فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه ، ويرمي بالحجر حتى تحاجزوا ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة ثبتت معه . 
وقال محمد بن عمر   : ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه ما يزول قدما واحدا ، بل وقف في وجه العدو ، وما يزال يرمي عن قوسه حتى تقطع وتره ، وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس ، فأخذ القوس  عكاشة بن محصن  ليوتره له ، فقال : يا رسول الله لا يبلغ الوتر ، فقال : «مده فيبلغ » ، قال  عكاشة   : فوالذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ ، وطويت منه ليتين أو ثلاثا على سية القوس ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوسه ، فما زال يرمي به وأبو طلحة  يستره متترسا عنه حتى تحطمت القوس ، وصارت شظايا ، وفنيت نبله ، فأخذ القوس  قتادة بن النعمان  ، فلم تزل عنده ، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة ، وكان أقرب الناس إلى العدو ، وثبت معه صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا : ثمانية من المهاجرين :  أبو بكر  ،  وعمر  ،  وعلي ،   وطلحة ،  والزبير  ،  وعبد الرحمن بن عوف  ،  وسعد بن أبي وقاص  ،  وأبو عبيدة بن الجراح   . وسبعة من الأنصار : الحباب بن المنذر  ، وأبو دجانة  ، وعاصم بن ثابت  ، والحارث بن الصمة  ،  وسهل بن حنيف   وسعد بن معاذ   - وقيل :  سعد بن عبادة   - ومحمد بن مسلمة   . ويقال : ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلهم يقول : وجهي دون وجهك ، ونفسي دون نفسك ، وعليك السلام غير مودع ! 
وروى  الطبراني  عن  ابن عباس   : أن  ابن مسعود  ثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انكشف الناس عنه إلى الجبل لا يلوون يدعوهم في أخراهم يقول : «إلي يا فلان ، أنا رسول الله » ، فما يعرج عليه أحد ، وهذا النبل يأتيه صلى الله عليه وسلم من كل ناحية ، والله تعالى يصرف ذلك عنه . 
وروى محمد بن عمر الأسلمي  عن نافع بن جبير  قال : سمعت رجلا من المهاجرين يقول : شهدت أحدا  فنظرت إلى النبل من كل ناحية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها ، كل ذلك يصرف عنه . ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري  يقول يومئذ : دلوني على محمد ، لا نجوت إن نجا . ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد ، ثم جاوزه فعاتبه  صفوان بن أمية  في ذلك ، فقال : والله ما رأيته ، أحلف بالله إنه منا ممنوع ، أما والله خرجنا أربعة فتعاهدنا ، وتعاقدنا على قتله ، فلم نخلص إليه . 
قال ابن سعد   : قال أبو النمر الكناني  وهو جد شريك بن عبد الله بن أبي نمر   : شهدت أحدا  مع المشركين ، ورميت يومئذ بخمس مرماة ، فأصبت منها بأسهم ، وإني لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه لمحدقون به ، وإن النبل لتمر عن يمينه وعن شماله ، [وتقصر ] بين يديه ، وتخرج من ورائه ، ثم هداني الله للإسلام . 
 [ ص: 198 ] وروى  عبد الرزاق  بسند مرسل قوي عن  الزهري  قال : ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد  سبعين ضربة بالسيف ، وقاه الله شرها كلها   . 
قال الحافظ : ويحتمل أنه أراد بالسبعين حقيقتها ، أو المبالغة في الكثرة . انتهى . 
وبايعه يومئذ على الموت ثمانية : ثلاثة من المهاجرين ، وهم :  علي  ، والزبير  ،  وطلحة   . وخمسة من الأنصار   : أبو دجانة  ، والحارث بن الصمة  ، والحباب بن المنذر  ، وعاصم بن ثابت  ،  وسهل بن حنيف  ، فلم يقتل منهم أحد . 
وروى  أبو يعلى  بسند حسن ، عن  علي  رضي الله عنه قال : لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نظرت في القتلى ، فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى ، ولكن أرى الله تعالى غضب علينا بما صنعنا ، فرفع نبيه صلى الله عليه وسلم ، فما لي خير من أن أقاتل حتى أقتل ، فكسرت جفن سيفي ، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، أي يقاتلهم صلى الله عليه وسلم  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					