ذكر رجوع بعض المسلمين بعد توليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  
روى  ابن المنذر  عن كليب بن شهاب  قال : خطبنا  عمر  فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول : إنها أحدية فلما انتهى إلى قوله تعالى : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان   [آل عمران 155 ] قال : لما كان يوم أحد  هزمنا ونفرت ، حتى صعدت في الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروي ، فسمعت يهوديا يقول : قتل محمد  ، فقلت : لا أسمع أحدا يقول : قتل محمد إلا ضربت عنقه ، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه  . 
قال  ابن إسحاق   : وكان أول من أقبل من المسلمين بعد التولية  قيس بن محرث  ، ويقال : قيس بن الحارث بن عدي بن جشم  مع طائفة من الأنصار ، فصادفوا المشركين فدخلوا  [ ص: 207 ] حومتهم ، فما أفلت منهم رجل حتى قتل ، ولقد ضاربهم قيس  حتى قتل نفرا ، فما قتلوه إلا بالرماح ، نظموه ، ووجد به أربع عشرة طعنة ، قد جافته ، وعشر ضربات في بدنه . 
ونادى الحباب بن المنذر   : يا آل سلمة  ، فأقبلوا عليه عنقا واحدا : لبيك داعي الله . 
وكان عباس بن عبادة بن نضلة   - بالنون والضاد المعجمة - وخارجة بن زيد  ، وأوس بن أرقم  ، يرفعون أصواتهم ، فيقول عباس : يا معشر المسلمين : الله ونبيكم ، هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم ، فوعدكم النصر ما صبرتم ، ثم نزع مغفره وخلع درعه ، وقال لخارجة بن زيد   : هل لك فيها ؟ قال : لا ، أنا أريد الذي تريد ، فخالطوا القوم جميعا ، وعباس يقول : ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنا عين تطرف ؟ فيقول خارجة   : لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة . فقتل سفيان بن عبد شمس  عباسا  ، وأخذت خارجة بن زيد  الرماح فجرح بضعة عشر جرحا ، وأجهز عليه  صفوان بن أمية   - وأسلم صفوان بعد ذلك - وقتل أوس بن أرقم  رضي الله عنه . 
ومر مالك بن الدخشم  على خارجة بن زيد [بن أبي زهير ]  وهو قاعد في حشوته وبه ثلاثة عشر جرحا كلها خلصت إلى مقتل ، فقال : أما علمت أن محمدا  قد قتل ؟ فقال خارجة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت ، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه ، فقاتل عن دينك ! 
ومر على  سعد بن الربيع  وبه اثنتا عشرة جراحة كلها قد خلص إلى مقتل ، فقال : أعلمت أن محمدا قد قتل ؟ فقال سعد : أشهد أن محمدا  صلى الله عليه وسلم قد بلغ رسالة ربه ، فقاتل عن دينك ، فإن الله تعالى حي لا يموت ! قالوا : وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انهزم المسلمون وقول الناس : قتل رسول الله - كما ذكر  الزهري   -  كعب بن مالك  ، قال : رأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تزهران من تحت المغفر ، فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار إلي أن اسكت ، ودعا بلأمة كعب ، وكانت صفراء أو بعضها ، فلبسها ونزع لأمته فلبسها كعب ، وقاتل كعب حتى جرح سبع عشرة جراحة ، لشدة قتاله  . 
وروى  الطبراني  بسند رجاله ثقات ، عن  كعب بن مالك  رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد  وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار إلي بيده أن اسكت ، ثم ألبسني لأمته ولبس لأمتي ، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة - أو قال : بضعا وعشرين جراحة - كل من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا عليه . ولما رأوه سالما  [ ص: 208 ] كأنهم لم يصبهم شيء حين رأوه ، وفرحوا بذلك فرحا شديدا ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ، ونهض معهم نحو الشعب ومعه  أبو بكر الصديق  ،  وعمر بن الخطاب  ،  وعلي بن أبي طالب  ،  وطلحة بن عبيد الله  ،  والزبير بن العوام  ، والحارث بن الصمة  ، ورهط من المسلمين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					