الثاني : كانت هذه الوقعة في شوال سنة ثلاث  باتفاق الجمهور . قال  ابن إسحاق  كما رواه  الطبراني  بسند رجال ثقات : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فأصبح بالشعب من أحد  ، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوال ، وفي الفتح عنه أن الوقعة كانت لإحدى عشرة ليلة خلت منه ، وقيل : لتسع ليال ، وقيل : لثمان ، وقيل : لسبع . قال الإمام  مالك   : أول النهار ، وشذ من قال سنة أربع . 
الثالث : أحد   - بضم الهمزة والحاء وبالدال المهملتين - قال ياقوت في معجمه وغيره : هو جبل أحمر ليس بذي شناخيب  ، بينه وبين المدينة  أقل من فرسخ ، وهو في شماليها . 
روى الشيخان عن  أنس بن مالك   وابن أبي شيبة  ،  والطبراني  بسند جيد عن سويد بن عامر الأنصاري  ،  والبخاري  عن  أبي حميد الساعدي  ،  والبخاري  عن  سهل بن سعد  ،  والطبراني  عن  ابن عباس  ،  والطبراني  عن  أبي هريرة  ، وعمر بن شبة  ، بسند جيد عن أبي قلابة  ، رضي الله  [ ص: 243 ] عنهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد لما بدا له : هذا جبل يحبنا ونحبه  . وتكرر منه صلى الله عليه وسلم هذا القول مرات . وسيأتي الكلام على هذا الحديث في المعجزات ، إن شاء الله تعالى . 
وروى  الطبراني  بسند ضعيف ، عن  سهل بن سعد  رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أحد ركن من أركان الجنة  . 
وروى  عمر بن شبة  عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أحد على باب من أبواب الجنة ، فإذا مررتم به ، فكلوا من شجره ولو من عضاهه  . 
وروى  عبد الرزاق  عن أبي ليلى   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أحد على ترعة من ترع الجنة »  . 
قال ياقوت : وهو اسم مرتجل لهذا الجبل . 
وقال السهيلي   : سمي أحدا  لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك ، أو لما وقع من أهله من نصرة التوحيد ، ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية ، وقد سمى الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم تقدمة لما أراده سبحانه وتعالى من مشاكلة اسمه لمعناه ، إذ أهله وهم الأنصار نصروا التوحيد والمبعوث بدين التوحيد ، عنده استقر حيا وميتا وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه إشعارا للأحدية ، فقد وافق اسم هذا الجبل لأغراضه صلى الله عليه وسلم ، ومقاصده في الأسماء ، فقد بدل كثيرا من الأسماء ، استقباحا لها من أسماء البقاء وأسماء الناس ، فاسم هذا الجبل من أوفق الأسماء له ، ومع أنه مشتق من الأحدية ، فحركات حروفه الرفع ، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه ، فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم اسما ومسمى ، فخص من بين الجبال أن يكون معه في الجنة . 
الرابع : قال في الروض : البقر في الرؤيا عبارة عن رجال مسلمين يتناطحون ، وقد رأت  عائشة  رضي الله عنها مثل هذا ، فكان تأويله قتل من قتل معها يوم الجمل . قال في الفتح : وفيه نظر ، فقد رأى الملك بمصر  البقر ، وأولها يوسف  صلى الله عليه وسلم بالسنين . ووقع في حديث  ابن عباس  ومرسل  عروة  عند أبي الأسود  في المغازي : «وتأولت البقر ببقر يكون فينا » . قال : وكان ذلك من أصيب من المسلمين . وقوله : بقرا - بسكون القاف - وهو شق البطن . وهذا أحد وجوه التفسير : أن يشتق من الاسم معنى مناسبا ، ويمكن أن يكون ذلك لوجه آخر من وجوه التأويل ، وهو التصحيف ، فإن لفظ بقر مثل نفر بالنون والفاء خطأ . 
وعند  أحمد   والنسائي  وابن سعد  من حديث  جابر  بسند صحيح في هذا الحديث :  [ ص: 244 ] «ورأيت نفرا منحرة » ، وقال فيه : إن الدرع المدينة ، والنفر نفر ، هكذا بنون وفاء ، وهو يؤيد الاحتمال المذكور . 
الخامس : لما ذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيفه فسله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يعتاف   . 
قال أبو القاسم الخثعمي   : وظاهر الكلام أن العيافة في المكروه خاصة ، والفأل في المحبوب وقد يكون في المكروه والطيرة تكون في المكروه والمحبوب . وفي الحديث : أنه نهى عن الطيرة وقال : «خيرها الفأل » فدل على أنها تكون على وجوه ، والفأل خيرها . ولفظها يعطي أنها تكون في الخير والشر ، لأنها من الطير ، تقول العرب : جرى له طائر بخير ، وجرى له بشر . وفي التنزيل وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه   [الإسراء 13 ] وقوله في هذا الحديث : «إني أرى السيوف اليوم ستسل » يقوي ما قدمناه من التوسم والزجر المصيب ، وأنه غير المكروه ، ولكنه غير مقطوع به إلا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم . 
السادس : دل مروره صلى الله عليه وسلم في أرض ذلك المنافق أنه يجوز للإمام السلوك في بعض أملاك رعيته ، إذا صادف ذلك طريقه  ، وإن لم يرض المالك . 
السابع : مظاهرته صلى الله عليه وسلم بين درعين وقع مرتين في أحد  ، وفي حنين   ، لا غير فيما أعلم ، وفي ذلك إشارة إلى الأخذ بالحزم والاحتياط ، وأن ذلك لا ينافي التوكل . 
الثامن : ليس تمني عبد الله بن جحش  أن يقتل في سبيل الله من تمني الموت المنهي عنه   . 
التاسع : اختلف أهل العلم في الشهيد إذا قتل جنبا : هل يغسل  كما غسلت الملائكة  حمزة  وحنظلة  رضي الله عنهما . 
العاشر : قول أبي دجانة   : «أنا الذي عاهدني خليلي » وكذا قول  أبي هريرة   : «حدثني خليلي »  لا يدفع بقوله صلى الله عليه وسلم : «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر » ، لأن  أبا دجانة  وأبا هريرة  يريدان به معنى الحبيب ، وإنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقولها لأحد من أصحابه ، ولا خص بها أحدا ، دون أن يمنع أحدا من أصحابه أن يقولها ، وما كان في قلوبهم من المحبة يقتضي هذا أو أكثر منه ، ما لم يكن الغلو والقول المكروه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ، وإنما أنا عبد الله ورسوله »  . 
 [ ص: 245 ] الحادي عشر : قول  علي  رضي الله عنه : «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد : فداك أبي وأمي إلا لسعد يوم أحد »  . رواه  البخاري  وغيره ، وروي أيضا عنه : «ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه لأحد إلا لسعد »  . 
قال في الروض : والرواية الأولى أصح ، والله أعلم ، لأنه أخبر أنه لم يسمع ، وقد قال  الزبير بن العوام   : أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أيضا أبويه ، كما رواه  الزبير بن بكار  في كتاب النسب . 
قال السهيلي   : وفقه هذا الحديث أن هذا الكلام جائز لمن كان أبواه غير مؤمنين ، وأما إذا كانا مؤمنين فلا ، لأنه كالعقوق لهما ، كذلك سمعت شيخنا أبا بكر بن العربي  يقول في هذه المسألة . قلت : قال الإمام النووي  في كتابه «حلية الأبرار » : المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره : فداك أبي وأمي ، أو جعلني الله فداك   . وقد تظاهرت على جواز ذلك الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما ، وسواء كان الأبوان مسلمين أو كافرين ، وكره ذلك بعض العلماء إذا كانا مسلمين . 
قال النحاس   : وكره  مالك بن أنس   : «جعلني الله فداك » ، وأجازه بعضهم . قال القاضي عياض رحمه الله : ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك ، سواء كان المفدى به مسلما أو كافرا . قال النووي   : قد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى . وقد نبهت على جمل منها في شرح صحيح مسلم ، والمراد بالتفدية التعظيم والإجلال ، لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه ، وكان مراده بذلك نفسي ، أو من يعز علي في مرضاتك وطاعتك . 
الثاني عشر : يأتي الكلام على شرب  أبي سعيد الخدري  دم النبي صلى الله عليه وسلم  في الخصائص . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					