وفي هذه السنة : أولعت العوام بأن يقولوا لمن رأوه من الخدم السود : يا عقعق ، فبالغوا في أذى الخدم ، فتقدم بأخذ جماعة [ وضربهم ] . 
وفيها : عزم  المعتضد  على لعن  معاوية بن أبي سفيان   على المنابر ، وأمر بإنشاء  [ ص: 372 ] كتاب يقرأ [ على الناس بذلك ] ، فخوفه عبيد الله بن سليمان  اضطراب العامة ، وحذره الفتنة ، فلم يلتفت إلى قوله ، وعملت النسخ ، وقرئت بالجانبين في يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الأولى وتقدم إلى العوام بترك العصبية ، ومنع القصاص من القعود في الجامع ، [ وفي الطرقات ] ، ومنعت الباعة من القعود في رحابها ، [ ومنع أهل الحلق في الفتيا وغيرهم من القعود في المسجد ] ، ونودي يوم الجمعة بنهي الناس عن الاجتماع على قاص أو غيره ، وأنه قد برئت الذمة ممن اجتمع من الناس على مناظرة أو جدل ، فمن فعل ذلك أحل بنفسه الضرب . 
وتقدم إلى الذين يسقون الماء في الجامع أن لا يترحموا على  معاوية  ، ولا يذكروه ، وخرج مكتوب فيه : قد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم ، وفساد قد لحقهم في معتقدهم ، وعصبية قد غلبت عليهم قلدوا [ فيها ] قادة الضلال بلا بينة ، وخالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة ، فأعظم أمير المؤمنين ذلك ، ورأى ترك إنكاره حرجا عليه في الدين . 
وفي شعبان ظهر شخص إنسان في يده سيف في دار  المعتضد  بالثريا ، فمضى إليه بعض الخدم لينظر من هو فضربه الشخص بالسيف ضربة قطع بها منطقته ، وبلغ السيف إلى بدن الخادم ، وهرب الخادم ، ودخل الشخص في زرع في البستان [ فتوارى فيه ] فطلب فلم يعرف له خبر ، ولم يوقف له على أثر ، فاستوحش  المعتضد  من ذلك ، ورجم الناس الظنون حتى قالوا : إنه من الجن ، ثم عاد الشخص للظهور مرارا كثيرة  [ ص: 373 ] حتى وكل  المعتضد  بسور داره ، وأحكم عمارة السور [ وجيء ] في يوم السبت لسبع خلون من رمضان بالمعزمين بسبب ذلك الشخص ، وجيء معهم بالمجانين وكانوا [ قد ] قالوا : نحن نعزم على بعض المجانين ، فإذا أسقط سأل الجني [ عن خبر ذلك الشخص ] ، فصرعت امرأة ، فأمر بصرفهم . 
وذكر أبو يوسف القزويني  أنه لم يوقف له على أثر ولا عرفت حقيقة ذلك إلا في أيام  المقتدر  ، وأن ذلك الشخص كان خادما أبيض يميل إلى بعض الجواري اللواتي في دواخل دور الخدم ، وكان قد اتخذ لحى على ألوان مختلفة ، وكان إذا لبس بعض اللحى لا يشك من رآه أنها لحية ، فكان يلبس في الوقت الذي يريده لحية منها ، ويظهر في ذلك الموضع وفي يده سيف أو غيره من السلاح ، فإذا طلب دخل بين الشجر ، وفي بعض الممرات والعطفات ونزع اللحية ، وجعلها في كمه وبقي معه السلاح ، كأنه بعض الخدم الطالبين للشخص ، فلا يرتاب به أحد وسأل : هل رأيتم أحدا؟ وكان إذا وقع مثل هذا خرج الجواري من داخل الدور ، فيرى هو تلك الجارية ، ويخاطبها بما يريد ، وإنما كان غرضه مخاطبة الجارية ، ومشاهدتها وكلامها ، ثم خرج من الدار في أيام  المقتدر  ، ومضى إلى طوس  ، فأقام بها إلى أن مات ، وتحدثت الجارية بعد ذلك بحديثه . 
وفي هذه السنة : وعد المنجمون الناس بغرق أكثر الأقاليم  ، وقالوا لا يسلم من إقليم بابل  إلا اليسير ، وأن ذلك يكون لكثرة الأمطار ، وزيادة [ المياه في ] الأنهار ، وقحط الناس في تلك السنة ، ولم يروا من الأمطار إلا اليسير ، وغارت المياه في الأنهار  [ ص: 374 ] والآبار ، حتى احتاج الناس إلى الاستسقاء ، فاستسقوا ببغداد  مرارا ، وكذب الله عز وجل خبر المنجمين . 
وحج بالناس في هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود الهاشمي ، المعروف بأترجة   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					