[ ص: 11 ]  [وفاة  خديجة  رضي الله عنها] 
ومن الحوادث: وفاة  خديجة    [رضي الله عنها] بعد أبي طالب  بأيام . 
أخبرنا ابن عبد الباقي  قال: أخبرنا الجوهري  قال: أخبرنا  ابن حيويه  قال: أخبرنا أحمد بن معروف  قال: أخبرنا الحارث بن أبي أمامة  قال: أخبرنا محمد بن سعد  قال: حدثنا محمد بن عمر بن واقد ،  عن محمد بن صالح بن دينار ،  وعبد الرحمن بن عبد العزيز ،  والمنذر بن عبد الله   [عن بعض أصحابه ، عن  حكيم بن حزام ،  قال: وحدثنا محمد بن عبد الله   ] عن أبيه ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير  قال: 
لما توفي أبو طالب   وخديجة ،  وكان بينهما شهر وخمسة أيام ، اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان ، فلزم بيته ، وأقل الخروج ، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع به ، فبلغ ذلك أبا لهب ، فجاءه فقال: يا محمد ، امض لما أردت وما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيا فاصنعه ، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت . وسب ابن العيطلة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقبل عليه أبو لهب ، فنال منه ، فولى [وهو] يصيح: يا معشر قريش ، صبأ أبو عتبة .  [ ص: 12 ] 
فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبي لهب ، فقال: ما فارقت دين عبد المطلب ، ولكني أمنع ابن أخي أن يضام حتى يمضي لما يريد . فقالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم . فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أياما يذهب ويأتي ، لا يعترض له أحد من قريش ، وهابوا أبا لهب ، إلى أن جاء عقبة بن أبي معيط وأبو جهل إلى أبي لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك ، أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب: يا محمد ، أين مدخل عبد المطلب؟ قال: "مع قومه" . 
قال: فخرج إليهما أبو لهب وقال: قد سألته ، فقال مع قومه . 
فقالا: إنه يزعم أنه في النار . فقال: يا محمد ، أيدخل عبد المطلب النار؟ 
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم ، ومن مات على مثل ما مات [عليه عبد المطلب دخل] النار" . 
فقال أبو لهب: والله لا برحت لك عدوا أبدا ، وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار ،  فاشتد عليه [هو] وسائر قريش  . 
قال محمد بن عمر   : وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ،  عن أبي الحويرث ،  عن محمد بن جبير بن مطعم  قال: لما توفي أبو طالب تناولت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج حينئذ إلى الطائف  ومعه  زيد بن حارثة  في ليال بقين من شوال سنة عشر . 
قال محمد بن عمر   - بغير هذا الإسناد -: فأقام بالطائف  عشرة أيام . 
وقال غيره: شهرا لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فلم يجيبوه ، وخافوا على أحداثهم فقالوا: يا محمد ،  اخرج من بلدنا والحق لمجابك من الأرض ، وأغروا به سفهاءهم . فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى إن رجليه لتدميان ، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه  [ ص: 13 ] حتى لقد شج في رأسه شجاجا . فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم [من الطائف  راجعا] إلى مكة  وهو محزون ،  فلما نزل نخلة  قام يصلي ، فصرف إليه نفر من الجن ، سبعة من أهل نصيبين ،  فاستمعوا وأقاموا بنخلة أياما . 
فقال له زيد: كيف تدخل عليهم وهم أخرجوك؟ 
فأرسل رجلا من خزاعة  إلى مطعم بن عدي  أدخل في جوارك ، قال: نعم . 
قال  محمد بن كعب القرظي   : لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف  عمد إلى نفر من ثقيف    - وهم قادة ثقيف  وأشرافهم يومئذ - وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل ،  ومسعود ،  وحبيب  أولاد عمرو بن عمير ،  فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل ، وكلمهم بما جاء له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه ، فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة  إن كان الله أرسلك . 
وقال آخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك . 
وقال الثالث: والله لا أكلمك كلمة أبدا ، لئن كنت رسولا من الله كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت [تكذب على الله ما ينبغي] لي أن أكلمك . 
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم [وقد يئس] من نصر ثقيف  ، وأغروا به سفهاءهم يسبونه ويصيحون به ، حتى اجتمع إليه الناس ، وألجئوه إلى حائط لعتبة بن  [ ص: 14 ] ربيعة  وشيبة بن ربيعة  وهما فيه ، ورجع عنه من سفهاء ثقيف  من كان يتبعه ، فعمد إلى ظل حبلة من عنب ، فجلس فيه ، وابنا ربيعة  ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف ، فلما اطمأن قال فيما ذكر لي: 
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ، إلى بعيد فيجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ، فإن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك الرضى حتى ترضى ، لا حول ولا قوة إلا بك . 
فلما رأى ابنا ربيعة   - عتبة  وشيبة -  ما لقي ، تحركت له رحمهما ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له: عداس ،  وقالا له: خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه . ففعل ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال: "بسم الله" ثم أكل .  
فنظر عداس إلى وجهه ، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة . 
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن أي البلاد أنت ، وما دينك" ؟ . 
قال: أنا نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى   . 
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى"  ؟ . 
قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟ . 
قال: ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي .  [ ص: 15 ] 
فأكب عداس  على رأس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقبل رأسه ويديه ورجليه . 
قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك . فلما جاءهما قالا له: ويلك يا عداس ، ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ 
قال: يا سيدي ما في الأرض [شيء خير من هذا ، لقد أخبرني] بأمر لا يعلمه إلا نبي  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					