فصل [في سبب عزل  خالد بن سعيد]  
وكان سبب عزل أبي بكر  رضي الله عنه  خالد بن سعيد   ما روى  ابن إسحاق  عن عبد الله بن أبي بكر ،  قال: قدم  خالد بن سعيد  من اليمن  بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتربص ببيعة أبي بكر  شهرين ، ولقي  علي بن أبي طالب ،   وعثمان  رضي الله عنهما ، فقال: يا بني عبد مناف ، لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم ، فأما أبو بكر  فلم يجعلها عليه ، وأما  عمر  فاضطغنها عليه . فلما أمره قال  عمر:  أتؤمره وقد صنع ما صنع ، وقال ما قال ، فلم يزل به حتى عزله ، وأمر  يزيد بن أبي سفيان .  ثم جعله ردا بتيماء ،  فأطاع  عمر  في بعض أمره ، وعصاه في بعض ، وقال له: انزل بتيماء  ولا تبرح ، وادع من حولك بالانضمام إليك ، ولا تقاتل إلا من قاتلك حتى يأتيك أمري . فاجتمع إليه جموع كثيرة وبلغ الروم عظم ذلك العسكر ، فضربوا على العرب البعوث ، فكتب بالخبر إلى أبي بكر  رضي الله عنه ، فكتب إليه ، أقدم تحجم ، واستنصر الله ، فسار إليهم خالد  فتفرقوا وأعروا منزلهم فنزله ، ودخل عامة من كان يجمع له في الإسلام ، فسار بمن معه فأقبل إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى باهان  فهزمه وقتل جنده ، وكتب بذلك إلى  أبي بكر الصديق  واستمده .  [ ص: 117 ] 
ولما بلغ [الخبر] الروم وأحوال الأمراء المبعوثين كتبوا إلى هرقل ،  فقال لأصحابه: أرى من الرأي ألا تقاتلوا هؤلاء القوم ، وأن تصالحوهم ، فلم يقبلوا منه ، فخرج هرقل  حتى نزل بحمص ،  فعبى لهم العساكر ، وبعث إلى تذارق ،  فخرج في تسعين ألفا ، فنزلوا على فلسطين ،  وبعث جرجة بن وذار  نحو يزيد ابن أبي سفيان .  فعسكر بإزائه ، وبعث إليه الدارقص  فاستقبل شرحبيل بن حسنة ،  وبعث الفيقار بن نسطوس  في ستين ألفا نحو أبي عبيدة ،  فهابهم المسلمون ، وكتب المسلمون إلى أبي بكر  وإلى  عمر:  ما الرأي؟ فكتب  عمر:  الرأي الاجتماع ، فاتعدوا باليرموك ،   وجاء كتاب إلى أبي بكر  رضي الله عنه بمثل رأي  عمر ،  اجتمعوا باليرموك ،  فتكونوا عسكرا واحدا ، ولن يؤتى مثلكم من قلة ، الله ناصر من نصره ، وليصل كل رجل منكم بأصحابه . 
فبلغ ذلك هرقل ،  فكتب إلى بطارقته: اجتمعوا لهم ، وانزلوا بالروم منزلا واسع العطن ، واسع المطرد ، ضيق المهرب ، وعلى الناس التذارق ،  وعلى المقدمة جرجه ،  وعلى مجنبتيه باهان  والداراقص ،  وعلى العرب الفيقار .  
ففعلوا ونزلوا الواقوصة ،  وهي على ضفة اليرموك ،  وصار الوادي خندقا لهم ، ونزل المسلمون بحذائهم على طريقهم ، وليس للروم طريق إلا عليهم ، فقال عمرو:  أبشروا حصرت الروم ، وقلما حاصر قوم قوما إلا ظفروا بهم ، وأقاموا بذلك صفرا من سنة ثلاث عشرة ، وشهري ربيع لا يقدرون من الروم على شيء ، ولا يخلصون إليهم ولا يخرج الروم خرجة إلا أديل [المسلمون] عليهم .  [ ص: 118 ] 
وكتب أبو بكر  إلى خالد  أن يلحق بهم ، وأمره أن يخلف على العراق  المثنى ،  فوافاهم في ربيع ، وأمد هرقل  الروم بباهان ،  فطلع عليهم وقد قدم قدامه الشمامسة والرهبان والقسيسين يحضونهم على القتال ، فوافى قدومهم قدوم خالد ،  فقاتل خالد  باهان ،  وقاتل الأمراء من يليهم ، فهزم باهان ،  وتتابعت الروم على الهزيمة ، فاقتحموا خندقهم . وكان المشركون مائتي ألف وأربعين ألفا ، منهم ثمانون ألف مقيد ، وأربعون ألفا مسلسل للموت ، وأربعون ألفا مربطون بالعمائم للموت ، وثمانون ألف فارس ، وثمانون ألف راجل . وكان المسلمون سبعة وعشرين ألفا إلى أن قدم خالد  في تسعة آلاف ، فصاروا ستة وثلاثين ألفا . وقيل: ستة وأربعين ألفا ، فمرض أبو بكر  رضي الله عنه ، وتوفي قبل الفتح بعشر ليال . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					