[ ص: 170 ]  [يوم أرماث]  
[أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي ،  وإسماعيل بن أحمد ،  قالا: أخبرنا ابن النقور ،  أخبرنا  المخلص ،  أخبرنا أحمد بن سيف ،  قال: أخبرنا السري بن يحيى ،  قال: أخبرنا شعيب بن إبراهيم ،  قال: حدثنا سيف] ،  عن  الأعمش ،  قال: لما كان يوم السكر ، لبس رستم درعين ومغفرا ، وأخذ سلاحه وأتى بفرسه فوثب ، فإذا هو عليه ، ولم يضع رجله في الركاب ، ثم قال: غدا ندقهم دقا ، فقال له رجل: إن شاء الله ، فقال: وإن لم يشأ . 
قالوا: ولما عبر أهل فارس  أخذوا مصافهم ، وجلس [رستم] على سريره ، وعبى في القلب ثمانية عشر فيلا ، عليها الصناديق والرجال ، وفي المجنبتين ثمانية وسبعة ، عليها الصناديق والرجال . وكان يزدجرد  قد أقام رجلا على باب إيوانه ، يبلغه أخبار رستم ، وآخر في الدار ، وآخر خارج الدار ، وكذلك إلى عند رستم ، فكلما حدث أمر تكلم به الأول فيبلغه الثاني إلى الثالث ، كذلك إلى يزدجرد   . 
أخذ المسلمون مصافهم ، وكان سعد يومئذ به دماميل ، لا يستطيع أن يركب ولا يجلس ، إنما هو على وجهه في صدره وسادة ، وهو مكب عليها ، مشرف على الناس ، يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عرفطة .  
وأن سعدا خطب من يليه ، يوم الاثنين في المحرم سنة أربع عشرة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال: إن الله عز وجل يقول: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون   . 
 [ ص: 171 ] 
هذا ميراثكم وموعود ربكم ، فأنتم منذ ثلاث حجج تطعمون منه ، وتقتلون أهله ، فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة يجمع الله لكم الدنيا والآخرة ، ولا يقرب ذلك أحدا إلى أجله ، وإن تفشلوا وتضعفوا تذهب ريحكم ، وتوبقوا آخرتكم . 
وقام عاصم بن عمرو  في المجردة ، فقال: هذه بلاد قد أحل الله [لكم] أهلها ، وأنتم تنالون منهم منذ ثلاث سنين ما لا ينالون منكم ، وأنتم الأعلون والله معكم ، إن صبرتم فالضرب والطعن ، ولكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم وبلادهم ، ولئن فشلتم لم يبق هذا الجمع منكم باقية ، مخافة أن تعودوا عليهم [بعائدة هلاك] ، الله الله ، اجعلوا همكم الآخرة . 
وخطب كل أمير أصحابه ، وتحاضوا على الطاعة . وأذن مؤذن سعد  لصلاة الظهر ، وقال رستم:  أكل عمر كبدي ، أحرق الله كبده ، علم هؤلاء حتى علموا . 
وأرسل سعد  الذين انتهى إليهم رأي الناس ونجدتهم ، مثل: المغيرة ،   وحذيفة ،  وعاصم بن عمرو .  ومن أهل النجدة: طليحة ،  وقيس الأسدي ،  وغالب ،  وعمرو بن معديكرب .  ومن الشعراء الشماخ ،  والحطيئة ،  وأوس بن مغراء ،  وعبدة بن الطبيب ،  وقال: انطلقوا فقوموا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال .  
فقال عاصم: يا معشر العرب ، إنكم أعيان العرب ، وقد صمدتم لأعيان العجم ، وإنما تخاطرون بالجنة ، ويخاطرون بالدنيا ، فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم ، لا تحدثن اليوم أمرا يكون شيئا على العرب غدا .  [ ص: 172 ] 
وقام كل واحد بنحو هذا الكلام ، وتواثق الناس وتعاهدوا ، وفعل أهل فارس [مثل ذلك] ، واقترنوا بالسلاسل ، وكان المقترنون ثلاثين ألفا . 
وقال سعد: الزموا مواقفكم ، لا تحركوا شيئا حتى تصلوا الظهر ، فإذا صليتم الظهر فإني مكبر تكبيرة ، فكبروا واستعدوا ، واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم ، وإنما أعطيتموه تأييدا [لكم] . ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا ، ولتستتم عدتكم ، ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ، ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا وليطاردوا ، فإذا كبرت الرابعة فارجفوا جميعا حتى تخالطوا عدوكم ، وقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله . 
فلما كبر ثلاث مرات خرج غالب بن عبد الله الأسدي ،  فبرز إليه هرمز ،  فأسره غالب ،  وجاء به إلى سعد ،  وخرج طليحة  إلى عظيم منهم فقتله ، وقام بنو أسد  فبالغوا في جهاد الفيلة ودفعها ، فكبر سعد الرابعة فزحف إليهم المسلمون ، وحملت الفيلة على الميمنة ، والميسرة على الخيول . 
وأقبل أصحاب عاصم  على الفيلة ، فقطعوا خراطيمها ، فارتفع عواؤها ، واقتتلوا حتى غربت الشمس ، وحتى ذهب هدة من الليل ، ثم تراجعوا ، وأصيب في تلك العشية خمسمائة رجل ، وهذا يومها الأول ، وهو يوم أرماث . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					