ثم دخلت سنة تسع عشرة 
فمن الحوادث فيها وقعة نهاوند  
قال  ابن إسحاق   : كانت في سنة إحدى وعشرين ، وقال غيره: في سنة ثماني عشرة . 
وكان من حديث نهاوند  أن  النعمان بن مقرن  كتب إلى  عمر  يخبره أن  سعد بن أبي وقاص  استعمله على جباية الخراج ، وأنه قد أحب الجهاد ، فكتب  عمر  إلى سعد:  ابعث به إلى نهاوند ،  ثم كتب  عمر  إلى النعمان:  أما بعد ، فقد بلغني أن جموعا كثيرة قد جمعوا [لكم] بمدينة نهاوند ،  فإذا أتاك كتابي هذا فسر [بأمر الله ، و] بعون الله [وبنصر الله] بمن معك من المسلمين . كذا في رواية . 
وأصح من هذا ما [أخبرنا به أبو محمد يحيى بن علي  المدبر ، أخبرنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون ،  قال: أخبرنا  علي بن عمر الدارقطني ،  قال: قرئ على أبي محمد يحيى بن محمد بن صاعد  وأنا أسمع: حدثكم يعقوب بن إبراهيم ،  قال: حدثنا  عبد الرحمن بن مهدي ،  قال: حدثنا  حماد بن سلمة ،  عن  أبي عمران الجوني ،  عن علقمة بن عبد الله المزني   ] ، عن  معقل بن يسار   :  [ ص: 268 ] 
أن  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه شاور الهرمزان ،  فقال: ما ترى؟ أن أبدأ بفارس  أو بأذربيجان  أو بأصبهان؟  قال: إن فارس  وأذربيجان  الجناحان ، والرأس أصبهان ،  فإن قطعت أحد الجناحين يأتي الرأس بالجناح الآخر ، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان ، فابدأ بالرأس أصبهان .  
فدخل  عمر  المسجد والنعمان بن مقرن  يصلي ، فقعد إلى جنبه ، فلما قضى صلاته قال: إني أريد أن أستعملك ، قال: أما جابيا فلا ، ولكن غازيا ، قال: وأنت غاز . 
فوجهه إلى أصبهان ،  وكتب إلى أهل الكوفة   أن يمدوه . فأتاهم العدو وبينه وبينهم النهر ، فأرسل إليهم  المغيرة بن شعبة  فأتاهم ، فقيل لملكهم -وكان يقال له ذو الجناحين: إن رسول العرب على الباب ، فشاور أصحابه ، فقال: ما ترون؟ أقعد له في [بهجة الملك] وهيئة الملك أو [أقعد له في] هيئة الحرب؟ فقالوا: اقعد له في هيئة الملك ، فقعد على سريره ووضع التاج على رأسه ، وقعد أبناء الملوك نحو السماطين ، عليهم القرط وأسورة الذهب وثياب الديباج ، ثم أذن له ، فدخل ومعه رمحه وفرسه ، فجعل يطعن برمحه في بسطهم ليتطيروا ، وقد أخذ بضبعيه رجلان ، فقام بين يديه ، فتكلم ملكهم فقال: 
إنكم معشر العرب أصابتكم مجاعة وجهد ، فإن شئتم أمرنا لكم ورجعتم ، فتكلم المغيرة ،  فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال: أما بعد ، فإنا معشر العرب كنا نأكل الجيف والميتة ، ويطئونا الناس ولا نطؤهم ، وأن الله ابتعث منا نبيا صلى الله عليه وآله وسلم كان أوسطنا نسبا ، وأصدقنا حديثا -فذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو أهله- وأنه وعدنا أشياء وجدناها كما قال ، وأنه وعدنا فيما وعدنا أنا سنظهر عليكم ونغلب على ما ها هنا ، وإني أرى عليكم بزة وهيئة ، وما أرى من خلفي يذهبون حتى يصيبوها ، قال: ثم قالت لي نفسي: لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة فقعدت مع العلج على سريره حتى يتطير . قال: فوجدت غفلة ، فوثبت ، فإذا أنا معه على سريره . قال: فأخذوه فجعلوا يتوجؤونه ويطئونه بأرجلهم ، قال: قلت: هكذا  [ ص: 269 ] تفعلون بالرسل ، إنا لا نفعل هذا برسلكم ، إن كنت أسأت أو أخطأت فإن الرسل لا يفعل بهم هذا ، قال الملك: إن شئتم قطعتم إلينا ، وإن شئتم قطعنا إليكم . قال: قلت: بل نقطع إليكم ، فقطعنا إليهم ، فتسلسلوا كل عشرة في سلسلة ، وكل خمسة ، وكل ثلاثة ، قال: فصاففناهم ، فرشقونا حتى أسرعوا فينا فقال -يعني النعمان: إني هاز لوائي ثلاث هزات ، فأما الهزة الأولى فقضى رجل حاجته وتوضأ ، وأما الثانية فنظر رجل في سلاحه وفي شسعه فأصلحه ، وأما الثالثة فاحملوا ولا يلوين أحد على أحد ، فإن قتل النعمان فلا يلوين عليه أحد ، وإني داع الله بدعوة ، فعزمت على كل امرئ منكم لما أمن عليها ، اللهم أعط النعمان اليوم الشهادة في نصر المسلمين ، وفتح عليهم ، فهز لواءه أول مرة ، ثم هزه الثانية ، ثم هزه الثالثة ، ثم تمثل درعه ، ثم حمل فكان أول صريع رحمه الله . 
قال معقل   : فأتيت عليه فذكرت عزيمته ، فجعلته علما ، ثم ذهبت ، فكنا إذا قتلنا رجلا شغل عنا أصحابه ، ووقع ذو الجناحين عن بغلته فانشق بطنه . [قال:] فهزمهم الله . ثم جئت إلى النعمان ومعي إداوة فيها ماء ، فغسلت عن وجهه ، فقال: من أنت؟ 
قال: قلت:  معقل بن يسار ،  فقال: ما فعل الناس؟ قلت: فتح الله عليهم ، قال: الحمد لله ، اكتبوا بذلك إلى  عمر ،  وفاضت نفسه رحمه الله . 
قال: واجتمع الناس إلى  الأشعث بن قيس ،  وفيهم  ابن عمر   وابن الزبير   -أو الزبير- وعمرو بن معديكرب   وحذيفة ،  فبعثوا إلى أم ولده ، فقالوا: ما عهد إليك عهدا ، فقالت: ها هنا سفط فيه كتاب ، فأخذوه ، وكان فيه: فإن قتل النعمان  ففلان ، فإن قتل فلان ففلان . 
[أخبرنا محمد بن الحسين ،  وإسماعيل ،  قالا: أخبرنا ابن النقور ،  قال: أخبرنا  المخلص ،  قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله ،  قال: حدثنا السري ،  قال: حدثنا شعيب ،  قال: حدثنا سيف   ] ، عن محمد ،   وطلحة ،  وعمرو ،  وسعيد ،  قالوا:  [ ص: 270 ] 
كان سبب نهاوند  في زمان  سعد بن أبي وقاص ،  واجتماع الأعاجم [إليها خروج] بعوث المسلمين نحوهم ، وكانت الوقعة مع عزله ، وقد أقر  عمر  رضي الله عنه على الكوفة  خليفته عبد الله بن عتبان ،  وكانت الوقعة والفتح في إمارة عبد الله ،  وكان من حديثهم أنهم نفروا لكتاب يزدجرد  الملك ، فتوافوا إلى نهاوند ،   [فتوافى إليها من بين خراسان  إلى حلوان ،  ومن بين الباب إلى حلوان ،  ومن بين سجستان  إلى حلوان ،  فاجتمعت حلبة فارس والفهلوج أهل الجبال من] بين الباب إلى حلوان  ثلاثون ألف مقاتل ، ومن بين خراسان  إلى حلوان  ستون ألف مقاتل ، ومن بين سجستان  إلى فارس  وحلوان  ستون ألف مقاتل ، واجتمعوا على الفيرزان .  
قالوا: إن  عمر  قد تناولكم وأتى أهل فارس في عقر دارهم ، وهو آتيكم إن لم تأتوه ، وقد أخرب بيت مملكتكم ، وليس بمنته إلا أن تخرجوا من في بلادكم من جنوده ، وتقلعوا هذين المصرين ، ثم تشغلوه في بلاده وقراره ، فتعاهدوا على ذلك وكتبوا بينهم كتابا . فكتب عبد الله إلى عمر أنه قد اجتمع منهم خمسون ومائة ألف [مقاتل] ، فإن جاءونا قبل أن نبدأهم ازدادوا جرأة وقوة ، وإن نحن عاجلناهم كان ذلك لنا . 
وقدم بالكتاب قريب بن ظفر العبدي ،  فقال له عمر: ما اسمك؟ قال: قريب ، قال: ابن من؟ قال: ابن ظفر ، فتفاءل بذلك وقال: ظفر قريب إن شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، ونودي في الناس: الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، ووافاه سعد فتفاءل بمجيء سعد ، ثم قام عمر خطيبا ، وأخبر الناس الخبر واستشارهم ، وآل الأمر إلى أن ولى  النعمان بن مقرن .  
فلما التقوا سار في الناس ، فجعل يقف على كل راية ، فيحمد الله ويثني عليه ويقول: قد علمتم ما أعزكم الله به من هذا الدين ، وما وعدكم من الظهور ، وقد أنجز لكم هوادي ما وعدكم ، وإنما بقيت أعجازه وأكارعه ، والله منجز وعده ، ولا يكونن على  [ ص: 271 ] دنياهم أحنى منكم على دينكم ، وإنكم تنتظرون إحدى الحسنيين: من بين شهيد حي مرزوق ، أو فتح قريب ، فاستعدوا ، فإني مكبر ثلاثا ، فإذا كبرت التكبيرة الأولى فليتهيأ من لم يكن تهيأ ، فإذا كبرت الثانية فليشد سلاحه وليتأهب للنهوض ، فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله فاحملوا معا ، اللهم أعز دينك ، وانصر عبادك ، واجعل النعمان أول شهيد . 
فلما كبر وحمل حمل الناس ، فاقتتلوا قتالا لم يسمع السامعون بمثله ، فزلق فرس النعمان  به في الدماء فصرعه ، وأصيب النعمان  حينئذ ، فتناول الراية منه نعيم بن مقرن ،  وسجى النعمان  بثوب ، وأتى  حذيفة  فأقام اللواء ، وقال المغيرة:  اكتموا مصاب أميركم حتى ننظر ما يصنع الله فينا وفيهم ، لكيلا يهن الناس ، فاقتتلوا حتى إذا أظلم الليل ، انكشف المشركون ، والمسلمون ملظون بهم ، فتهافتوا في الحفر الذي نزلوا دونه ، فمات منهم مائة ألف أو يزيدون ، سوى من قتل في المعركة ، ولم يفلت إلا الشريد ، ونجا الفيرزان ،  فهرب نحو همذان ، فأتبعه نعيم بن مقرن ،  وقدم القعقاع  قدامه ، فأدركه حتى انتهى إلى ثنية همذان ،  والثنية مشحونة بين بغال وحمير موقرة عسلا ، فحبسته الدواب على أجله ، فقتله على الثنية . وقال المسلمون: إن لله جنودا من عسل ، واستاقوا العسل ، ومضى الفلال حتى انتهوا إلى همذان  والخيل في آثارهم ، فدخلوها ، فنزل المسلمون عليهم ، وحووا ما حولها ، فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم على أن يضمن لهم همذان   [ودستبى] .  
ودخل المسلمون بعد هزيمة المشركين يوم نهاوند  مدينة نهاوند  واحتووا ما فيها وما حولها . 
فبينما هم يتوقعون ما يأتيهم من إخوانهم بهمذان ، أقبل الهربذ  على أمان ، فقال لحذيفة:  أتؤمنني على أن أخبرك بما أعلم؟ قال: نعم ، قال: إن النخيرجان  وضع عندي  [ ص: 272 ] ذخيرة لكسرى ، فأنا مخرجها لك على أماني وأمان من شئت ، فأعطاه ذلك ، فأخرج له جوهر كسرى   [كان] أعده لنوائب الزمان ، فنظروا في ذلك فأجمع رأي المسلمين على رفعه إلى عمر وجعله له ، فبعثوا به . وقسم  حذيفة  بين المسلمين غنائمهم ، فكان سهم الفارس يوم نهاوند ستة آلاف ، وسهم الراجل ألفين . 
وكان  عمر  يتململ في الليالي التي قدر أنهم يلتقون فيها ، فبينا رجل من المسلمين قد دخل المدينة ليلا لحق به راكب ، فقال: يا عبد الله ، من أين أقبلت؟ قال: من نهاوند ، قال: ما الخبر؟ قال: [الخبر خير] فتح الله على النعمان ،  واستشهد ، وقسم المسلمون الفيء فأصاب الفارس ستة آلاف ، فدخل الرجل ، فأصبح يتحدث ، فبلغ عمر الخبر ، فأرسل إليه يسأله ، فأخبره ، فقال: صدقت ، هذا بريد الجن ، ثم جاء الخبر والأخماس والذخيرة فرد الذخيرة إلى  حذيفة ،  وقال: اقسمها على ما أفاءها الله عليه . 
				
						
						
