ثم دخلت سنة أربع وثلاثين 
فمن الحوادث فيها [اجتماع المنحرفين على عثمان   ] 
أن المنحرفين عن عثمان  تكاتبوا للاجتماع لمناظرته فيما نقموا عليه  ، وتذاكر قوم أعمال عثمان  ، فأجمعوا رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلمه ويخبره بأحداثه ، فأرسلوا إليه عامر بن عبد قيس  ، فدخل عليه ، فقال: إن ناسا من المسلمين اجتمعوا ونظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله وانزع عنها ، فأرسل عثمان  إلى  معاوية بن أبي سفيان  ، وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح  ، وإلى  سعيد بن العاص  ،  وعمرو بن العاص  ، وعبد الله بن عامر  ، فجمعهم فشاورهم في أمره . 
فقال عبد الله بن عامر:  إني أرى أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك ، فلا يهم أحدهم إلا نفسه . 
وقال ابن أبي سرح:  أعطهم المال تعطف عليك قلوبهم . 
وقال  معاوية:  تأمر أجنادك يكفيك كل منهم من قبله . 
وقال  عمرو بن العاص:  اعتدل أو اعتزل ، فإن أبيت فاعتزم عزما وامض قدما ، فردهم عثمان  إلى أعمالهم ، وأمرهم بالتضييق على من قبلهم ، وتجمير الناس في البعوث ، ورد  سعيد بن العاص  أميرا على الكوفة  ، فخرج أهل الكوفة  فردوه ، وهم يزيد بن قيس  ، والأشتر  ، وذلك يوم الجرعة  ، والجرعة  مكان مشرف قرب القادسية  ، وهناك تلقاه أهل الكوفة   . فرجع إلى عثمان  ، وضرب الأشتر  عنق غلام  [ ص: 45 ] كان مع سعيد  ، فقال عثمان  لسعيد:  ما يريدون؟ قال: البدل ، قال: فمن يريدون؟ قال: أبا موسى  ، فجعله عليهم . 
وروى  الواقدي  عن أشياخه: أن جماعة اجتمعوا فكلموا  علي بن أبي طالب  في أمر عثمان  ، فدخل عليه وقال: الناس من ورائي وقد كلموني فيك ، وما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، وقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونلت صهره  ، وما  ابن أبي قحافة  بأولى بعمل الحق منك ، ولا ابن الخطاب   . وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما ، وقد نلت من صهره ما لم ينالا . فقال عثمان:  والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا عبت عليك إن وصلت رحما ، وسددت خلة ، أنشدك الله يا  علي  ، أتعلم أن  عمر  ولى المغيرة  أو ليس ذلك؟ قال: بلى ، قال: فلم تلومني إن وليت ابن عامر  في رحمه وقرابته؟ 
قال: سأخبرك ، إن  عمر  كان كل من ولي فإنما يطأ على صماخه ، إن بلغه عنه حرف [جلبه ثم بلغ به أقصى غاية] ، وأنت لا تفعل رفقة بأقربائك ، قال عثمان:  فهل تعلم أن  عمر  ولى  معاوية  خلافته كلها؟ قال: نعم ، قال  علي:  فهل تعلم أن  معاوية  كان أخوف  لعمر  من غلامه يرفأ  ؟ قال: نعم فهو يقطع الأمور دونك وأنت تعلمها ، فيبلغك ولا تغير عليه . 
ثم خرج  علي  ، فخرج عثمان  فجلس على المنبر ، ثم قال: لقد عبتم علي ما أقررتم لابن الخطاب  بمثله ، ولكنه وطئكم برجله ، وضربكم بيده ، وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم ، ولنت لكم ، وأوطأت لكم كنفي ، وكففت يدي ولساني عنكم ، فاجترأتم علي ، فكفوا عليكم ألسنتكم ، وطعنكم على ولاتكم ، وما لي لا أصنع في فضل المال ما أريد ، فلم كنت إماما . فقام  مروان بن الحكم  ، فقال: إن شئتم حكمنا بيننا وبينكم السيف . فقال عثمان:  اسكت لا سكت ، دعني وأصحابي ، ثم نزل عثمان   . 
وفي هذه السنة: 
حج بالناس عثمان  ، وحج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه كما فعل  عمر  رضي الله عنهما .  [ ص: 46 ] 
				
						
						
