ثم دخلت سنة تسع وثلاثين 
فمن الحوادث فيها تفريق  معاوية  جنوده في أطراف  علي  رضي الله عنه   . 
ومن ذلك: أنه وجه  النعمان بن بشير  في ألفي رجل إلى عين التمر  ، وكان بها مالك بن كعب  مسلحة  لعلي  في ألف رجل ، فأذن لهم  علي  فأتوا الكوفة  ، وأتاه النعمان  ولم يبق معه إلا مائة رجل ، فكتب  مالك  إلى  علي  يخبره بأمر النعمان  ومن معه ، فخطب  علي  بالناس وأمرهم بالخروج ، فتثاقلوا ، فقال: يا أهل الكوفة  ، كلما سمعتم بجيش من جيوش الشام  أظلكم ، انجحر كل امرئ منكم في بيته انجحار الضب في جحره ، والضبع في وجارها ، المغرور والله من غررتموه ، ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب: لا أحرار عند النداء ، ولا إخوان ثقة عند النجاء ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا منيت به منكم . وواقع مالك النعمان بن بشير  في تلك العصابة القليلة ، فوجه إليه مخنف  ابنه عبد الرحمن  في خمسين رجلا ، فانتهوا إلى  مالك  وأصحابه ، وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا ، فلما رآهم أهل الشام  ظنوا أن لهم مددا وانهزموا ، وتبعهم  مالك  ، فقتل منهم ثلاثة نفر ، [ومضوا على وجوههم] . 
ومن ذلك: أنه وجه  معاوية  في هذه السنة سفيان بن عوف  في ستة آلاف رجل ،  [ ص: 158 ] وأمره أن يأتي هيت  ويمضي حتى يأتي الأنبار  والمدائن  فيوقع بأهلها . فسار حتى أتى هيت  فلم يجد بها أحدا ، [ثم أتى الأنبار   ] وبها مسلحة  لعلي  تكون خمسمائة رجل ، وقد تفرقوا فلم يبق منهم إلا مائة رجل ، فقاتلهم ، فصبر لهم أصحاب  علي  مع قلتهم ثم حملت عليهم الخيل والرجالة فقتلوا صاحب المسلحة ، وهو أشرس بن حسان البلوي  في ثلاثين رجلا ، وحملوا ما كان في الأنبار  من الأموال ورجعوا إلى  معاوية  وبلغ الخبر عليا  ، فخرج حتى أتى النخيلة  ، فقال له الناس: نحن نكفيك ، قال: ما تكفونني [ولا أنفسكم] ، وسرح سعيد بن قيس  في أثر القوم ، فخرج [في طلبهم] حتى جاز هيت  ، فلم يلحقهم [فرجع] . 
ومن ذلك: أنه وجه  معاوية  في هذه السنة عبد الله بن مسعدة الفزاري  في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء  ، وأمره أن يصدق من مر به من أهل البوادي ، وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله ، ثم يأتي المدينة  ومكة  والحجاز  يفعل ذلك . واجتمع إليه خلق كثير من قومه ، فلما بلغ ذلك عليا  رضي الله عنه وجه المسيب بن نجبة الفزاري  في ألفي رجل ، فسار حتى لحق ابن مسعدة  بتيماء  ، فاقتتلوا حتى زالت الشمس قتالا شديدا ، فدخل ابن مسعدة  وعامة من معه إلى الحصن وهرب الباقون نحو الشام  ، وانتهبت الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة ،  وحصره [ومن كان معه] المسيب  ثلاثة أيام ، ثم ألقى الحطب على الباب وألهب فيه النار ، فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا على المسيب  فقالوا: يا مسيب  ، قومك ، فرق لهم ، فأمر بالنار فأطفئت ،  [ ص: 159 ] وخرج ابن مسعدة  ليلا بأصحابه فلحقوا بالشام   . 
ومن ذلك: أنه وجه  معاوية  في هذه السنة  الضحاك بن قيس  وأمره بالمرور بأسفل واقصة  ، وأن يغير على كل من مر به ممن في طاعة  علي  رضي الله عنه من الأعراب ، ووجه معه ثلاثة آلاف رجل ، فسار وأغار على مسالح  علي  رضي الله عنه ، وأتى على عمرو بن عميس بن مسعود  ، وكان في خيل  علي  وهو يريد الحج ، فأغار على [من كان] معه ، وحبسه عن المسير ، فلما بلغ ذلك عليا  سرح حجر بن عدي الكندي  في أربعة آلاف ، فلحق الضحاك  بتدمر  ، فقتل منهم تسعة عشر رجلا ، وقتل من أصحابه رجلان ، وحال بينهم الليل ، فهرب الضحاك  وأصحابه ، ورجع حجر  ومن معه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					