ومن الحوادث خروج إبراهيم  إلى مكة بإسماعيل  وهاجر   
وروى  ابن إسحاق  عن أشياخه: أن إبراهيم   [خرج] ومعه جبرئيل ،  فكان لا يمر بقرية إلا قال: بهذه أمرت يا جبرئيل؟  فيقول جبرئيل:  امضه ، حتى قدم به مكة  وهي ذات عضاه وسلم وسمر ، وبها أناس يقال لهم العماليق خارج مكة  وحولها ، والبيت يومئذ ربوة حمراء ، فقال لجبرئيل:  أهاهنا [أمرت] أن أضعهما؟ قال: نعم ، فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه ، وأمر هاجر  أن تتخذ فيه عريشا ، ثم انصرف إلى الشام  فتركهما . 
 [ ص: 266 ] 
أخبرنا عبد الأول ،  أخبرنا ابن طلحة الدراوردي ،  أخبرنا ابن أعين السرخسي ،  حدثنا أبو عبد الله الفربري ،  حدثنا  البخاري ،  حدثنا عبد الله بن محمد ،  حدثنا  عبد الرزاق ،  أخبرنا  معمر ،  عن  أيوب السختياني ،  وكثير بن كثير بن المطلب ابن أبي وداعة   -يزيد أحدهما على الآخر- عن  سعيد بن جبير ،  قال: قال  ابن عباس:  أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ،  اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ،  ثم جاء بها إبراهيم  وبابنها إسماعيل  وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة  يومئذ أحد وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم  منطلقا فتبعته أم إسماعيل ،  فقالت: يا إبراهيم  أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء ، فقالت له ذلك مرارا ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم ، قالت: إذا لا يضيعنا . 
ثم رجعت فانطلق إبراهيم  حتى إذا كان عند الثنية حتى لا يروه ، استقبل بوجهه البيت ، دعا بهؤلاء الدعوات ، ورفع يديه ، فقال: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع   [14: 37] حتى بلغ يشكرون   [14: 37] . 
وجعلت أم إسماعيل   [ترضع ابنها] وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في ماء السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى -أو قال: يتلبط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة وقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا [فلم تر أحدا] ، ففعلت ذلك سبع مرات . 
 [ ص: 267 ] 
قال  ابن عباس:  قال النبي صلى الله عليه وسلم:  "فلذلك سعى الناس بينهما" . فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا ، فقالت: صه -تريد نفسها- ثم تسمعت فسمعت أيضا ، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه -أو قال: بجناحه- حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائهما ، وهو يفور بعدما تغرف . 
قال  ابن عباس:  قال النبي صلى الله عليه وسلم:  "يرحم الله أم إسماعيل  لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا" . قال: فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه ،  وإن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية ، وتأتيه السيول فيأخذ عن يمينه وعن شماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم  مقبلين من طريق كداء ،  فنزلوا في أسفل مكة ،  فرأوا طائرا عائفا ، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء . 
فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء ، فقال: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء . قالوا: نعم . 
قال  ابن عباس:  قال النبي صلى الله عليه وسلم: فألفى ذلك أم إسماعيل  وهي تحب الإنس ، فنزلوا وأرسلوا إلى أهاليهم [فجاءوا] فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم ، وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم . 
وماتت أم إسماعيل  فجاء إبراهيم  بعدما تزوج إسماعيل  يطالع تركته فلم يجد إسماعيل ،  فسأل امرأته عنه ، فقالت: خرج يبتغي لنا ، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت: نحن بشر ، [نحن] في ضيق وشدة ، فشكت إليه . فقال: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه . فلما جاء إسماعيل  كأنه آنس شيئا ، فقال:  [ ص: 268 ] هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم ، جاءنا شيخ [من صفته] كذا وكذا ، فسألني عنك فأخبرته ، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة ، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم ، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك: غير عتبة بابك . قال: ذلك أبي وقد أمرني أن أفارقك ، فالحقي بأهلك ، فطلقها ، وتزوج منهم أخرى . 
فلبث عنه إبراهيم  ما شاء الله ، ثم أتاهم فلم يجده ، فدخل على امرأته فسألها عنه ، فقالت خرج يبتغي لنا ، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعة ، وأثنت على الله ، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم ، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء ، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء . 
قال النبي صلى الله عليه وسلم:  "ولم يكن لهم يومئذ الحب ، ولو كان لدعا لهم فيه بالبركة" . قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة  إلا يوافقاه . قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه . 
فلما جاء إسماعيل ،  قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير ، قال: أفأوصاك بشيء؟ قالت: نعم ، هو يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك ، فقال: ذاك أبي ، وأنت العتبة ، أمرني أن أمسكك . 
ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل  يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم ، فلما رآه قام إليه وصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ، ثم قال: يا إسماعيل  إن الله قد أمرني بأمر ، قال: فاصنع ما أمرك [ربك] ، قال: أوتعينني؟ قال: وأعينك ، قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا ، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها . قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل  يأتي بالحجارة وإبراهيم  يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه ، وقام عليه يبني وإسماعيل  يناوله الحجارة وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم   [2: 127] . 
انفرد بإخراجه  البخاري .  
 [ ص: 269 ] 
وقد روى  عطاء بن السائب ،  عن  سعيد بن جبير ،  عن  ابن عباس  في هذا الحديث: أن زوجة إسماعيل  الثانية قالت لإبراهيم  لما قدم: انزل رحمك الله حتى أغسل رأسك [فقد شعث] ، فلم ينزل به ، فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الأيمن فوضع قدمه عليه [فبقي أثر قدمه عليه] فغسلت شق رأسه الأيمن ، ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر [فغسلت شقه الأيسر] . فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له: قد استقامت عتبة بابك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					