المسألة الرابعة : { أعرض عن الجاهلين     } فيه قولان : 
أحدهما : أنه محكم ، أمر باللين . 
الثاني : أنه منسوخ بآية القتال قاله ابن زيد .  
المسألة الخامسة : روى { جابر بن سليم  قال : ركبت قعودي ثم أتيت إلى مكة  ، فطلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنخت قعودي بباب المسجد ، فدلوني على رسول الله ، فإذا هو جالس عليه برد من صوف فيه طرائق حمر ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : وعليك السلام . فقلت : إنا معشر أهل البادية قوم فينا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بها .  [ ص: 360 ] قال : ادن منا . فدنوت ، فقال : أعد علي . فأعدت . فقال : اتق الله ، ولا تحقرن من المعروف شيئا ، وأن تلقى أخاك بوجه منبسط ، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك ، وإن أحد سبك بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه ; فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا ، ولا تسبن شيئا مما خولك الله . فوالذي نفسي بيده ما سببت بعده لا شاة ولا بعيرا .   } 
المسألة السادسة : في صحيح  البخاري  عن  ابن عباس  قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة  ، فنزل على ابن أخيه الجد بن قيس  ، وكان من النفر الذي يدنيهم  عمر  ، وكان القراء أصحاب مجالس  عمر  ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا ، فقال عيينة  لابن أخيه : يا بن أخي ; لك وجه عند هذا الأمير ، فاستأذن لي عليه قال : سأستأذن لك . قال  ابن عباس    : فاستأذن الجد لعيينة  ، فأذن  عمر  ، فلما دخل قال : هيه يا ابن الخطاب  ، فوالله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم فينا بالعدل . فغضب  عمر  حتى هم أن يوقع به ، فقال له : العفو يا أمير المؤمنين ، إن الله قال لنبيه : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين    } وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها  عمر  حين تلاها عليه ، وكان وقافا عند كتاب الله . 
المسألة السابعة : في تنقيح الأقوال : أما العفو فإنه عام في متناولاته ، ويصح أن يراد به خذ ما خف وسهل مما تعطى ، فقد { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من الصدقة التمرة والقبضة والحبة والدرهم والسمل ، ولا يلمز شيئا من ذلك ولا يعيبه    } : ولقد كان يسقط من الحقوق ما يقبل الإسقاط حتى قالت  عائشة  في الصحيح : { ما انتقم رسول الله لنفسه قط   } .  [ ص: 361 ] 
وأما الاحتمال : فقد { كان يصبر على الأذى ، ويحتمل الجفاء ، حتى قال صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى  ، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر   } . 
وأما مخالفة الناس : فهو كان أقدر الخلق عليها وأولاهم بها ، فإنه كان يلقى كل أحد بما يليق به من شيخ وعجوز ، وصغير وكبير ، وبدوي وحضري ، وعالم وجاهل ، ولقد { كانت المرأة توقفه في السكة من سكك المدينة  ، ولقد كان يقول لأخ  لأنس  صغير : يا أبا عمير  ، ما فعل النغير   } . 
ولقد { كان يكلم الناس بلغاتهم ، فيقول لمن سأله أمن امبر امصيام في امسفر ؟ فيقول له : ليس من امبر امصيام في امسفر   } 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					