المسألة الثانية : قوله تعالى : { لمسجد أسس على التقوى    }    : اختلف فيه ، فقيل : هو مسجد قباء    ; يروى عن جماعة منهم  ابن عباس  ، والحسن    . 
وتعلقوا بقوله : { من أول يوم    } ومسجد قباء  كان في أول يوم أسس بالمدينة    . 
 [ ص: 584 ] وقيل : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم    ; قاله  ابن عمر  ،  وابن المسيب    . 
وقال  ابن وهب  عن  مالك  وأشهب  عنه قال  مالك    : المسجد الذي ذكر الله أنه أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه  هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم    ; إذ كان يقوم رسول الله ويأتيه أولئك من هنالك . 
وقال الله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما    } هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فنزع  مالك  باستواء اللفظين ; فإنه قال في ذلك تقوم فيه . 
وقال في هذا قائما ; فكانا واحدا ، وهذه نزعة غريبة ، وكذلك روى عنه ابن القاسم  أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم    . 
وقد روى الترمذي  عن  أبي سعيد الخدري  قال : { تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ; فقال رجل : هو مسجد قباء    ; وقال آخر : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو مسجدي هذا   } . قال أبو عيسى    : هذا حديث صحيح ، وجزم  مسلم  أيضا بمثله . 
فإن قيل ، وهي : المسألة الثالثة : فقوله : { فيه فيه    } : ضميران يرجعان إلى مضمر واحد بغير نزاع ، وضمير الظرف الذي يقتضي الرجال المتطهرين هو مسجد قباء    ; فذلك الذي أسس على التقوى ، وهو مسجد قباء    . 
والدليل على أن ضمير الرجال المتطهرين هو ضمير مسجد قباء  حديث  أبي هريرة    ; قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء    : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا    } . 
قال : كانوا يستنجون بالماء ، فنزلت هذه الآية فيهم . 
وقال  قتادة    {   : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قباء    : إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور ; فما تصنعون ؟ فقالوا : إنا نغسل أثر الغائط والبول بالماء   } .  [ ص: 585 ] قلنا : هذا حديث لم يصح . والصحيح هو الأول . 
وقد اختلف في الطهارة المثنى بها على أقوال لا تعلق لها بما نحن فيه ، كالتطهر بالتوبة من وطء النساء في أدبارهن وشبهه . 
فأما قوله : { من أول يوم    } فإنما معناه أنه أسس على التقوى من أول مبتدأ تأسيسه أي لم يشرع فيه ، ولا وضع حجر على حجر منه إلا على اعتقاد التقوى . 
والذين كانوا يتطهرون ، وأثنى الله عليهم جملة من الصحابة كانوا يحتاطون على العبادة والنظافة ، فيمسحون من الغائط والبول بالحجارة تنظيفا لأعضائهم ، ويغتسلون بالماء تماما لعبادتهم ، وكمالا لطاعتهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					