الآية السابعة والأربعون قوله تعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون    } . 
فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : في سبب نزولها    : وفيها أقوال كثيرة جماعها أربعة : 
الأول : أنها نزلت في قوم أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم ليعلموا الناس القرآن والإسلام ، فلما نزل ما كان لأهل المدينة  رجع أولئك فأنزل الله عذرهم ; قاله  مجاهد    . 
وقال : هلا جاء بعضهم وبقي على التعليم البعض . 
 [ ص: 602 ] الثاني : قال  ابن عباس    : معناه ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ، ويتركوا نبيهم ، ولكن يخرج بعضهم ، ويبقى البعض فيما ينزل من القرآن ، ويجري من العلم والأحكام ، يعلمه المتخلف للساري عند رجوعه ، وقاله  قتادة    . 
الثالث : قال  ابن عباس  أيضا : إنها نزلت في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر  بالسنين أجدبت بلادهم ، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة  من الجهد ، ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون ، فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم ، فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا بمؤمنين ، فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائرهم ، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك قوله : { ولينذروا قومهم    } . 
الرابع : روي عن  ابن عباس  أنه قال : نسختها : { انفروا خفافا وثقالا    } . 
المسألة الثانية : في تحرير الأقوال : أما نسخ بعض هذه لبعض فيفتقر إلى معرفة التاريخ فيها . 
وأما الظاهر فنسخ الاستنفار العام ; لأنه الطارئ ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغزو في فئام من الناس ، ولم يستوف قط جميع الناس ، إلا في غزوة العسرة . 
وقد قيل : إنه يخرج من القول الأول أن الخروج في طلب العلم  لا يلزم الأعيان ، وإنما هو على الكفاية . 
قال القاضي    : إنما يقتضي ظاهر هذه الآية الحث على طلب العلم  والندب إليه دون الإلزام والوجوب ، واستحباب الرحلة فيه وفضلها . 
فأما الوجوب فليس في قوة الكلام ; وإنما لزم طلب العلم بأدلته ; فأما معرفة الله فبأوامر القرآن وإجماع الأمة . 
وأما معرفة الرسول فلوجوب الأمر بالتصديق به ، ولا يصح التصديق إلا بعد العلم . 
 [ ص: 603 ] وأما معرفة الوظائف فلأن ما ثبت وجوبه ثبت وجوب العلم به لاستحالة أدائها إلا بعلم ، ثم ينشأ على هذا أن المزيد على الوظائف مما فيه القيام بوظائف الشريعة كتحصين الحقوق وإقامة الحدود ، والفصل بين الخصوم ونحوه من فروض الكفاية ; إذ لا يصح أن يعلمه جميع الناس ، فتضيع أحوالهم وأحوال سواهم ، وينقص أو يبطل معاشهم ، فتعين بين الحالين أن يقوم به البعض من غير تعيين ، وذلك بحسب ما ييسر الله العباد له ، ويقسمه بينهم من رحمته وحكمته بسابق قدرته وكلمته ، ويأتي تحقيقه في موضعه إن شاء الله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					