المسألة الثالثة : 
في هذه الآية جواز ركوب البحر  ، وقد ورد ذلك في الحديث الصحيح من طريقين : روى  أبو هريرة  أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ قال : هو الطهور ماؤه الحل ميتته   } . 
وروى  أنس بن مالك  أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على  أم حرام بنت ملحان  ، فنام عندها ، ثم استيقظ وهو يضحك ، فقالت له : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة ، أو مثل الملوك على الأسرة . قالت : فادع الله أن يجعلني منهم . فدعا لها ، ثم وضع رأسه فنام ، ثم استيقظ يضحك ، فقالت : يا رسول الله ، وما يضحكك ؟ قال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ملوكا على الأسرة ، أو مثل الملوك على الأسرة كما قال في الأولى . قالت ، فقلت : ادع الله أن يجعلني منهم . قال : أنت من الأولين   } الحديث . 
ففي هذا كله دليل على جواز ركوب البحر ، ويدل عليه من طريق المعنى أن  [ ص: 5 ] الضرورة تدعو إليه ; فإن الله ضرب به وسط الأرض ، فانفلقت ، وجعل الخلق في العدوتين ، وقسم المنافع بين الجهتين ، ولا يوصل إلى جلبها إلا بشق البحر [ لها ] ، فسهل الله سبيله بالفلك ، وعلمها نوحا  صلى الله عليه وسلم وراثة في العالمين بما أراه جبريل  ، وقال له : صورها على جؤجؤ الطائر ، فالسفينة طائر مقلوب ، والماء في استفاله للسفينة نظير الهواء في اعتلائه . 
المسألة الرابعة : 
أما القرآن فيدل على جواز ركوب البحر مطلقا ، وأما الحديثان [ اللذان جلبناهما فيدل حديث  أبي هريرة  على جواز ركوب البحر مطلقا . وأما حديث  أنس  فيدل على جواز كونه في الغزو ، وهي رخصة من الله أجازها مع ] ما فيه من الغرر ، ولكن الغالب منه السلامة ; لأن الذين يركبونه لا حاصر لهم ، والذين يهلكون فيه محصورون . 
المسألة الخامسة : 
قوله صلى الله عليه وسلم { ملوكا على الأسرة   } : فيه قولان : أحدها : يركبون ظهره على الفلك ركوب الملوك الأسرة على الأرض . 
الثاني : يركبون الفلك لسعة الحال والملك كأنهم أهل الملك . 
ويعارض هذا قوله تعالى : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر    } فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصف هؤلاء بالملك ووصف الله هؤلاء بالمسكنة . 
ومن هذه المعارضة فر قوم فقالوا : إن القراءة فيها : أما السفينة فكانت لمساكين بتشديد السين .  [ ص: 6 ] 
وقال قوم إنما وصفهم بالمسكنة لما هم عليه من عدم الحول والقوة في البحر وضعف الحيلة فيه أيضا ; فإن من أراد أن يعلم أن الحول والقوة لله عيانا فليركب البحر . 
وحقيقة المعنى فيه أن مسكنتهم كانت لوجهين : 
: أحدهما : لدخولهم البحر . 
والثاني : أنه لم يكن لهم مال ولا ملك إلا السفينة ، وهم لا يركبون البحر بالعدد والعدة ، والعزم والشدة ، يقصدون الغلبة ، وهذه حالة للملك . 
وقد روي أن  عمر  كان يتوقف في ركوب البحر للمسلمين ، لما كان يتوهم فيه من الغرر ، إذ لم يره إلا لضرورة كما ركبه المهاجرون  إلى الحبشة  للضرورة أولا وآخرا ، أما الأول ففي الفرار من نكاية المشركين ، وأما الآخر فلنصر النبي صلى الله عليه وسلم والكون معه . 
المسألة السادسة : 
إذا حصل المرء في ارتجاج البحر وغلبته وعصفه وتعابس أمواجه فاختلف العلماء في حكمه ، وقد تقدم شرحه في سورة الأعراف . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					