الآية السادسة قوله تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا    } . فيها أربع مسائل : 
المسألة الأولى : قد بينا في كتب الأصول أن كل موجود ما عدا الله وصفاته العلا له أول ، فإن كل موجود ما عدا نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار له آخر  ، وكل ما لا آخر له فهو الباقي حقيقة . ولكن الباقي بالحق والحقيقة هو الله ، حسبما بيناه في كتاب الأمد . 
فأما نعيم الجنة  فأصول مذ خلقت لم تفن ولا تفنى بخبر الله تعالى ; وفروع وهي النعم ، هي أعراض إنما توصف بالبقاء على معنى أن أمثالها يتجدد من غير انقطاع ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بيانه في سورة مريم وغيرها إن شاء الله ، وعلى ما تقدم بيانه قبل في سورة النساء بقوله : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا  [ ص: 235 ] غيرها    } فهذا فناء وتجديد ، فيجعله بقاء مجازا بالإضافة إلى غيره ، فإنه يفنى فلا يعود ، فإذا ثبت هذا ، وهي : 
المسألة الثانية : فالأعمال التي تصدر عن الخلق من حسن وقبيح لا بقاء لها ، ولا تجدد بعد فناء الخلق ، فهي باقيات صالحات وطالحات ، حسنات وسيئات في الحقيقة ، لكن لما كانت الأعمال أسبابا في الثواب والعقاب  ، وكان الثواب والعقاب دائمين لا ينقطعان ، وباقيين لا يفنيان ، كما قدمنا بيانه ، وصفت الأعمال بالبقاء ، حملا مجازيا عليها ، على ما بيناه في كتب الأصول من وجه تسمية المجاز . 
وأما تسمية الشيء بسببه المتقدم عليه ، أو تسميته بفائدته المقصودة به ، فندب الله تعالى إلى الأعمال الصالحة ، ونبه على أنها خير ما في الدنيا من أهل ومال ، وعمل وحال في المآل ، فقال ، وهي : 
المسألة الثالثة : والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا من المال والبنين ، وخير أملا فيما يستقبلون إرادته ، واقتضى ذلك ، وهي : 
المسألة الرابعة : أن يكون بهذا العموم الباقيات الصالحات  كل عمل صالح ، وهو الذي وعد بالثواب عليه ، إلا أن المفسرين عينوا في ذلك أقوالا ، ورووا فيه أحاديث ، واختاروا من ذلك أنواعا يكثر تعدادها ، ويطول إيرادها ، أمهاتها أربعة : 
الأول : روى  مالك  عن  سعيد بن المسيب  ، { أن الباقيات الصالحات قول العبد : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله   } . 
الثاني : روى  ابن وهب  عن  علي بن أبي طالب  مثله . 
الثالث : مثله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
الرابع : أنها الصلوات الخمس ، وروي عن  ابن عباس  وغيره ; وبه أقول ، وإليه  [ ص: 236 ] أميل ، وليس في الباب حديث صحيح ، أما أن فضل التسبيح والتكبير والتهليل والحوقلة  مشهور في الصحيح كثير ، ولا مثل للصلوات الخمس في ذلك بحساب ولا تقدير . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					