[ ص: 439 ] المسألة الرابعة : 
لما قال الله : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا    } وكان الماء معلوما بصفة طعمه وريحه ولونه . 
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إذا كان بهذه الصفة فلا خلاف في طهوريته ، فإذا انتقل عن هذه الصفات إلى غيره بتغير وصف من هذه الأوصاف الثلاثة خرج عن طريق السنة وصف الطهورية . 
والمخالط للماء  على ثلاثة أضرب : ضرب يوافقه في صفتيه جميعا : وهي الطهارة والتطهير ، فإذا خالطه فغيره لم يسلبه وصفا منهما ، لموافقته له فيهما ، وهو التراب . 
والضرب الثاني يوافق الماء في إحدى صفتيه ، وهي الطهارة ، ولا يوافقه في صفته الأخرى ، وهي التطهير ، فإذا خالطه فغيره سلبه ما خالفه فيه ، وهو التطهير ، دون ما وافقه ، وهي الطهارة ، كماء الورد وسائر الطهارات . 
والضرب الثالث مخالفته في الصفتين جميعا : وهي الطهارة والتطهير ، فإذا خالطه فغيره سلبه الصفتين جميعا ، لمخالفته له فيهما ، وهو النجس . وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف وكتب الفروع . 
وقال  أبو حنيفة    : إذا وقعت نجاسة في ماء  أفسدته كله ، كثيرا كان أو قليلا ، إذا تحققت عموم النجاسة فيه . 
ووجه تحققها عنده أن تقع مثلا نقطة بول في بركة ماء ، فإن كانت البركة يتحرك طرفاها بتحريك أحدهما فالكل نجس ، وإن كانت حركة أحد الطرفين لا تحرك الآخر لم ينجس والمصريون ، كابن القاسم  وغيره ، يقولون : إن قليل الماء ينجسه قليل النجاسة . 
وفي المجموعة نحوه من مذهب  أبي حنيفة    . 
وقال  الشافعي  بحديث القلتين ، ورواه عن  الوليد بن كثير  ، حسن ظن به ، وهو مطعون فيه . والحديث ضعيف .  [ ص: 440 ] وقد رام  الدارقطني  على إمامته أن يصحح حديث القلتين فلم يستطع ، واغتص بجريعة الذقن فيها ، فلا تعويل عليه ، حسبما مهدناه في مسائل الخلاف . كما تعلق علماؤنا أيضا في مذهبهم بحديث  أبي سعيد الخدري  في بئر بضاعة الذي رواه  النسائي  والترمذي  وأبو داود  وغيرهم : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بئر بضاعة  وما يطرح فيها من الجيف والنتن ، وما ينجي الناس ، فقال : الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه   } . وهذا أيضا حديث ضعيف لا قدم له في الصحة 
، فلا تعويل عليه . وقد فاوضت الطوسي الأكبر  في هذه المسألة مرارا ، فقال : إن أخلص المذاهب في هذه المسألة مذهب  مالك  ، فإن الماء طهور ما لم يتغير أحد أوصافه ، إذ لا حديث في الباب يعول عليه ، وإنما المعول على ظاهر القرآن ، وهو قوله : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا    } ، وهو ما دام بصفاته ، فإذا تغير عن شيء منها خرج عن الاسم بخروجه عن الصفة " ولذلك لما لم يجد  البخاري  إمام الحديث والفقه في الباب خبرا صحيحا يعول عليه قال : " باب إذا تغير وصف الماء " وأدخل الحديث الصحيح : { ما من أحد يكلم في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك   } . فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الدم بحاله ، وعليه رائحة المسك ، ولم تخرجه الرائحة عن صفة الدموية . 
ولذلك قال علماؤنا : إذا تغير الماء بريح جيفة على طرفيه وساحله  لم يمنع ذلك من الوضوء به ، ولو تغير بها وقد وقعت فيه لكان ذلك تنجيسه له للمخالطة ، والأولى مجاورة لا تعويل عليها . 
				
						
						
