الآية الثامنة قوله تعالى : { لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير    }    . فيها أربع مسائل : المسألة الأولى : في المراد بالآية : قال علماؤنا : قوله { يهب لمن يشاء إناثا    } يعني لوطا  كان له بنات ولم يكن له ابن ويهب لمن يشاء الذكور إبراهيم  كان له بنون ولم تكن له بنت .  [ ص: 80 ] وقوله : { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا    } يعني آدم  ، كانت حواء  تلد له في كل بطن ولدين توأمين ذكرا وأنثى ; فيزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من هذا البطن الآخر ، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح  عليه السلام . وكذلك محمد  صلى الله عليه وسلم كان له ذكور وإناث ، من الأولاد : القاسم  ، والطيب  ، والطاهر  ، وعبد الله    ; وزينب  ، وأم كلثوم  ،  ورقية  ،  وفاطمة    ; وكلهم من خديجة  رضي الله عنها وإبراهيم  وهو من مارية القبطية    . 
وكذلك قسم الله الخلق من لدن آدم  إلى زماننا إلى أن تقوم الساعة على هذا التقدير المحدود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة ، ليبقى النسل ، ويتمادى الخلق ، وينفذ الوعد ، ويحق الأمر ، وتعمر الدنيا ، وتأخذ الجنة والنار ما يملأ كل واحدة منهما ويبقى ; ففي الحديث : { إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول قط قط وأما الجنة فتبقى فينشئ الله لها خلقا آخر   } . المسألة الثانية : إن الله لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء ، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة ، فإنه قدوس عن الحاجات ، سلام عن الآفات ، كما قال القدوس السلام ، فخلق آدم  من الأرض ، وخلق حواء  من آدم  ، وخلق النشأة من بينهما منهما ، مرتبا عن الوطء كائنا عن الحمل ، موجودا في الجنين بالوضع ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنثا   } . 
وكذلك في الصحيح أيضا { إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه الولد أعمامه ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله   } . 
وقد بينا تحقيق ذلك في شرح الحديث بما لبابه أنها أربعة أحوال : ذكر يشبه أعمامه . أنثى تشبه أخوالها . ذكر يشبه أخواله . أنثى تشبه أعمامها . وذلك في الجميع بين ظاهر التعالج أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : سبق : خرج من قبل ، ومعنى علا كثر ، فإذا خرج ماء الرجل من قبل وخرج ماء المرأة بعده وكان أقل منه كان الولد ذكرا  [ ص: 81 ] بحكم سبق ماء الرجل ، ويشبه أعمامه بحكم كثرة مائه أيضا وإن خرج ماء المرأة من قبل وخرج ماء الرجل بعده وكان أقل من مائها كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة ، ويشبه أحوالها لأن ماءها علا ماء الرجل وكاثره . وإن خرج ماء الرجل من قبل لكن لما خرج ماء المرأة كان أكثر جاء الولد ذكرا بحكم سبق ماء الرجل وأشبه أمه وأخواله بحكم علو ماء المرأة وكثرته . وإن خرج ماء المرأة من قبل لكن لما خرج ماء الرجل من بعد ذلك كان أكثر وأعلى كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة ، ويشبه أباه وأعمامه بحكم غلبة ماء الذكر وعلوه وكثرته على ماء المرأة . فسبحان الخلاق العظيم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					