الآية الثالثة قوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب    } . 
فيها مسألة واحدة . 
يعني نقضوا العهد . 
وتحقيقه أنهم صاروا في شق ، أي جهة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أخرى ، وذكر الله مع رسوله تشريف له ، وكان نقضهم العهد لخبر ; رواه جماعة ، منهم ابن القاسم   [ ص: 175 ] عن  مالك  ، قال : { جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم النضير  يستعينهم في دية ، فقعد في ظل جدار ، فأرادوا أن يلقوا عليه رحى ، فأخبره الله عز وجل بذلك ، فقام وانصرف ; وبذلك استحلهم وأجلاهم إلى خيبر  ، وصفية  منهم سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر    . قال : فرجع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلاهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم ، والصفراء ، والبيضاء ، والحلقة ، والدنان ، ومسك الجمل   } . 
فالصفراء والبيضاء : الذهب والفضة . والحلقة : السلاح . والدنان : الفخار . ومسك الجمل : جلود يستقى فيها الماء بشعرها . 
{ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع إليهم : يا أخابث خلق الله ، يا إخوة الخنازير والقردة   } . قال  ابن وهب    : قال  مالك    : فقالوا : مه يا أبا القاسم  ، فما كنت فحاشا . وهذا دليل على أن إضمار الخيانة نقض للعهد    ; لأنه انعقد قولا [ فينتقض قولا ] ، والعقد إذا ارتبط بالقول انتقض بالقول وبالفعل ، وإذا ارتبط بالفعل لم ينتقض إلا بالفعل ، كالنكاح يرتبط بالقول وينحل بالقول ، وهو الطلاق ، وبالفعل ، وهو الرضاع . وعتق المديان ينعقد بالقول ، وينقضه الحاكم إذا لم يكن له مال سواه ، والاستيلاد لا ينقضه القول ، وقد بينا في سورة الأنفال كيفية نقض العهد . 
فإن قيل : فإذا تحقق نقض العهد فلم بعث إليهم اخرجوا من بلادي ؟ ولم لم يأخذهم قبل ذلك ؟ قلنا : قد قال تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء    } . 
فإن قيل : هذا ما خانه ، وإنما تحقق بخبر الله عنه . قلنا : الخوف هاهنا الوقوع ، وإلا فمجرد الخوف موجود من كل عاقد . 
وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل إليهم لأنه علم ذلك وحده ، فأراد أن يكون أمرا مشهورا ، وساقه الله إلى ما كتب من الجلاء . 
				
						
						
