المسألة السادسة : فإن قيل : فإذا جعلتم للولي أن يتصرف في مال اليتيم تصرفه في مال ابنه بولاية الكفالة كما قدمتم بيانه إن كان بتقديم وال عليه ، فهل ينكح نفسه من يتيمته أو يشتري من مال يتيمته  ؟ قلنا : إن  مالكا  جعل ولاية النكاح بالكفالة والحضانة  أقوى منها بالقرابة ، حتى قال في الأعراب الذين يسلمون أولادهم في أعوام المجاعة إلى الكفلة : إنهم ينكحونهم إنكاحهم . 
فأما إنكاح الكافل من نفسه فسيأتي في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى . وأما الشراء منه فقال  مالك   وأبو حنيفة    : يشتري في مشهور الأقوال إذا كان نظرا له ، وهو صحيح ; لأنه من باب الإصلاح المنصوص عليه في الآية . وقال  الشافعي    : لا يجوز ذلك في النكاح ولا في البيع ; وقد مهدناه في مسائل الخلاف . فأما ما نزعه  الشافعي  من منع النكاح فله فيها طرق بيانها في موضعها هنالك ; وأما الشراء فطريقه فيها ضعيف جدا إلا أن يدخل معنا في مراعاة الذرائع والتهم فينقض أصله في تركها . 
فإن قيل : فلم ترك  مالك  أصله في التهمة والذرائع ، وجوز له ذلك من نفسه مع يتيمته ؟ قلنا : إنما نقول يكون ذريعة لما يؤدي من الأفعال المباحة إلى محظور منصوص  [ ص: 217 ] عليه ، وأما هاهنا فقد أذن الله سبحانه في صورة المخالطة ، ووكل الحاضنين في ذلك إلى أمانتهم بقوله تعالى : { والله يعلم المفسد من المصلح    } وكل أمر مخوف وكل الله تعالى فيه المكلف إلى أمانته لا يقال فيه إنه يتذرع إلى محظور فيمنع منه ، كما جعل الله سبحانه النساء مؤتمنات على فروجهن ، مع عظم ما يتركب على قولهن في ذلك من الأحكام ، ويرتبط به من الحل والحرمة والأنساب ، وإن جاز أن يكذبن . 
وهذا فن بديع فتأملوه واتخذوه دستورا في الأحكام وأملوه ، والله الموفق للصواب برحمته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					