الآية الثالثة قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم    } . 
الآية فيها ست مسائل : المسألة الأولى قد بينا العداوة ومقابلتها الولاية في كتاب الأمد الأقصى وغيره  [ ص: 226 ] وحققنا أن الولاية هي القرب ، وأن العداوة هي البعد ، وأوضحنا أن القرب والبعد يكونان حقيقة بالمسافة ; وذلك محال في حق الإله ، ويكونان بالمودة والمنزلة ; وذلك جائز في حق الإله ، وكلا الوجهين يجوز على الخلق . 
والمراد بالعداوة هاهنا بعد المودة والمنزلة ; فإن الزوجة قريب ، والولد قريب ، بحكم المخالطة ، والصحبة ، ولكنهما قد يقربان بالألفة الحسنة والعشرة الجميلة ، فيكونان وليين ، وقد يبعدان بالنفرة والفعل القبيح ، فيكونان عدوين ، وعن هذا أخبر الله سبحانه ، ومنه حذر ، وبه أنذر . 
المسألة الثانية ثبت عن  ابن عباس  من طريق الترمذي  وغيره أنه سأله رجل عن هذه الآية : { يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم    } قال : هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة  ، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ; فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم ; فأنزل الله عز وجل : { يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم    } . 
المسألة الثالثة هذا يبين وجه العداوة ; فإن العدو لم يكن عدوا لذاته ، وإنما كان عدوا لفعله ، فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا ، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة . 
وفي صحيح  مسلم  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الشيطان قعد لابن آدم  في طريق الإيمان . فقال له : أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك ، فخالفه فآمن . ثم قعد له على طريق الهجرة ، فقال له : أتهاجر وتترك أهلك ومالك ; فخالفه فهاجر ; فقعد له في طريق الجهاد ، فقال : أتجاهد فتقتل نفسك وتنكح نساؤك ، ويقسم مالك ، فخالفه فجاهد فقتل ، فحق على الله أن يدخله الجنة   } . 
وقعود الشيطان يكون بوجهين :  [ ص: 227 ] أحدهما يكون بالوسوسة . 
والثاني : بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب . قال الله سبحانه : { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم    } . في حكمة عيسى  عليه السلام : من اتخذ أهلا ومالا وولدا كان للدنيا عبدا . 
وفي صحيح الحديث بيان أدنى من ذلك حال العبد ; قال النبي صلى الله عليه وسلم {   : تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد القطيفة ، تعس فانتكس ، وإذا شيك فلا انتفش   } ، ولا دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم ، ولا همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد . 
المسألة الرابعة كما أن الرجل يكون له ولده وزوجه عدوا  كذلك المرأة يكون لها ولدها وزوجها عدوا  بهذا المعنى بعينه . 
وعموم قوله : { من أزواجكم    } يدخل فيه الذكر والأنثى كدخولهما في كل آية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					