قوله تعالى : هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون  
قوله تعالى : هو الذي خلقكم من طين  الآية خبر وفي معناه قولان : أحدهما : وهو الأشهر ، وعليه من الخلق الأكثر ، أن المراد آدم  عليه السلام والخلق نسله ، والفرع يضاف إلى أصله ، فلذلك قال : خلقكم بالجمع فأخرجه مخرج الخطاب لهم إذ كانوا ولده ; هذا قول الحسن  ، وقتادة  ،  وابن أبي نجيح  ،  والسدي  ، والضحاك  ، وابن زيد  وغيرهم ، الثاني : أن تكون النطفة خلقها الله من طين على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الإنسان منها ، ذكره النحاس    . 
قلت : وبالجملة فلما ذكر جل وعز خلق العالم الكبير ذكر بعده خلق العالم الصغير وهو الإنسان ، وجعل فيه ما في العالم الكبير ، على ما بيناه في " البقرة " في آية التوحيد ، والله أعلم ،   [ ص: 300 ] والحمد لله وقد روى  أبو نعيم الحافظ  في كتابه عن مرة  ، عن ابن مسعود  ، أن الملك الموكل بالرحم يأخذ النطفة فيضعها على كفه ، ثم يقول : يا رب ، مخلقة أو غير مخلقة ؟ فإن قال مخلقة ، قال : يا رب ، ما الرزق ، ما الأثر ، ما الأجل ؟ فيقول : انظر في أم الكتاب ، فينظر في اللوح المحفوظ فيجد فيه رزقه وأثره وأجله وعمله ، ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته ، فذلك قوله تعالى : منها خلقناكم وفيها نعيدكم    . وخرج عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته   . 
قلت : وعلى هذا يكون كل إنسان مخلوقا من طين وماء مهين ، كما أخبر جل وعز في سورة " المؤمنون " فتنتظم الآيات والأحاديث ، ويرتفع الإشكال والتعارض ، والله أعلم ، وأما الإخبار عن خلق آدم  عليه السلام فقد تقدم في ( البقرة ) ذكره واشتقاقه ، ونزيد هنا طرفا من ذلك ونعته وسنه ووفاته ، ذكر ابن سعد  في " الطبقات " عن  أبي هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس ولد آدم  وآدم  من التراب وعن سعيد بن جبير  قال : خلق الله آدم  عليه السلام من أرض يقال لها دجناء  ، قال الحسن    : وخلق جؤجؤه من ضرية  ، قال الجوهري    : ضرية قرية لبني كلاب  على طريق البصرة  وهي إلى مكة  أقرب ، وعن ابن مسعود  ، قال : إن الله تعالى بعث إبليس فأخذ من أديم الأرض من عذبها ومالحها فخلق منه آدم  عليه السلام فكل شيء خلقه من عذبها فهو صائر إلى الجنة وإن كان ابن كافر ، وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى النار ، وإن كان ابن تقي فمن ثم قال إبليس أأسجد لمن خلقت طينا  لأنه جاء بالطينة فسمي آدم    ; لأنه خلق من أديم الأرض ، وعن  عبد الله بن سلام  قال : خلق الله آدم  في آخر يوم الجمعة ، وعن ابن عباس  قال : لما خلق الله آدم  كان رأسه يمس السماء ، قال فوطده إلى الأرض حتى صار ستين ذراعا في سبعة أذرع عرضا ، وعن أبي بن كعب  ، قال : كان آدم  عليه السلام طوالا جعدا كأنه نخلة سحوق ، وعن ابن عباس  في حديث فيه طول وحج آدم  عليه السلام من الهند  إلى مكة  أربعين حجة على رجليه ، وكان آدم  حين أهبط تمسح رأسه السماء ، فمن ثم صلع وأورث ولده الصلع ونفرت من طوله دواب البر فصارت وحشا من يومئذ ، ولم يمت حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا ، وتوفي على ذروة الجبل الذي أنزل عليه ، فقال شيث  لجبريل  عليهما السلام : " صل على آدم    " فقال له جبريل  عليه السلام : تقدم أنت فصل على أبيك وكبر عليه ثلاثين تكبيرة ، فأما خمس فهي الصلاة ، وخمس وعشرون تفضيلا لآدم    . وقيل : كبر عليه أربعا ، فجعل بنو شيث  آدم  في مغارة وجعلوا عليها حافظا لا   [ ص: 301 ] يقربه أحد من بني قابيل  وكان الذين يأتونه ويستغفرون له بنو شيث  ، وكان عمر آدم  تسعمائة سنة وستا وثلاثين سنة   . ويقال : هل في الآية دليل على أن الجواهر من جنس واحد ؟ الجواب : نعم لأنه إذا جاز أن ينقلب الطين إنسانا حيا قادرا عليما ، جاز أن ينقلب إلى كل حال من أحوال الجواهر ، لتسوية العقل بين ذلك في الحكم ، وقد صح انقلاب الجماد إلى الحيوان بدلالة هذه الآية . 
قوله تعالى : ثم قضى أجلا  مفعول . وأجل مسمى عنده  ابتداء وخبر ، قال الضحاك    : أجلا في الموت وأجل مسمى عنده  أجل القيامة فالمعنى على هذا : حكم أجلا ، وأعلمكم أنكم تقيمون إلى الموت ، ولم يعلمكم بأجل القيامة . وقال الحسن  ومجاهد  وعكرمة   وخصيف  وقتادة  ، وهذا لفظ الحسن    : قضى أجل الدنيا من يوم خلقك إلى أن تموت وأجل مسمى عنده  يعني الآخرة . وقيل : قضى أجلا  ما أعلمناه من أنه لا نبي بعد محمد  صلى الله عليه وسلم ، وأجل مسمى  من الآخرة ، وقيل : قضى أجلا  مما نعرفه من أوقات الأهلة والزرع وما أشبههما ، وأجل مسمى  أجل الموت ، لا يعلم الإنسان متى يموت ، وقال ابن عباس  ومجاهد    : معنى الآية قضى أجلا  بقضاء الدنيا ، وأجل مسمى عنده  لابتداء الآخرة . وقيل : الأول قبض الأرواح في النوم ، والثاني قبض الروح عند الموت ، عن ابن عباس  أيضا . 
قوله تعالى : ثم أنتم تمترون  ابتداء وخبر : أي : تشكون في أنه إله واحد ، وقيل : تمارون في ذلك أي : تجادلون جدال الشاكين ، والتماري المجادلة على مذهب الشك ، ومنه قوله تعالى : أفتمارونه على ما يرى    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					