[ ص: 237 ] سورة الفتح 
سورة الفتح . 
مدنية بإجماع ، وهي تسع وعشرون آية . ونزلت ليلا بين مكة  والمدينة  في شأن الحديبية    . روى محمد بن إسحاق  عن الزهري  عن عروة  عن المسور بن مخرمة   ومروان بن الحكم  ، قالا : نزلت سورة الفتح بين مكة  والمدينة  في شأن الحديبية  من أولها إلى آخرها . وفي الصحيحين عن  زيد بن أسلم  عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب  يسير معه ليلا فسأله عمر  عن شيء فلم يجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر بن الخطاب    : ثكلت أم عمر  ، نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل ذلك لم يجبك ، فقال عمر    : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي ، فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه ، فقال : لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس - ثم قرأ - إنا فتحنا لك فتحا مبينا  لفظ  البخاري    . وقال الترمذي    : حديث حسن غريب صحيح . وفي صحيح مسلم  عن قتادة  أن أنس بن مالك  حدثهم قال : لما نزلت : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما    - إلى قوله - فوزا عظيما مرجعه من الحديبية  وهم يخالطهم الحزن والكآبة ، وقد نحر الهدي بالحديبية  ، فقال : لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا   . وقال عطاء  عن ابن عباس    : إن اليهود  شتموا النبي - صلى الله عليه وسلم -   [ ص: 238 ] والمسلمين لما نزل قوله تعالى : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  قالوا : كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به فاشتد ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  ونحوه قال مقاتل بن سليمان    : لما نزل قوله تعالى : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  فرح المشركون والمنافقون وقالوا : كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به ولا بأصحابه ، فنزلت بعدما رجع من الحديبية    : إنا فتحنا لك فتحا مبينا  أي : قضينا لك قضاء   . فنسخت هذه الآية تلك . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :   [ لقد أنزلت علي سورة ما يسرني بها حمر النعم ] . وقال المسعودي    : بلغني أنه من قرأ سورة الفتح في أول ليلة من رمضان في صلاة التطوع حفظه الله ذلك العام   . 
بسم الله الرحمن الرحيم . 
قوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا    .  
اختلف في هذا الفتح ما هو ؟ ففي  البخاري  حدثني  محمد بن بشار  قال حدثنا غندر  قال حدثنا شعبة  قال سمعت قتادة  عن أنس  إنا فتحنا لك فتحا مبينا  قال : الحديبية    . وقال جابر    : ما كنا نعد فتح مكة  إلا يوم الحديبية    . وقال الفراء    : تعدون أنتم الفتح فتح مكة  وقد كان فتح مكة  فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية  ، كنا نعد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة مائة ، والحديبية  بئر   . وقال الضحاك    : إنا فتحنا لك فتحا مبينا  بغير قتال . وكان الصلح من الفتح   . وقال مجاهد    : هو منحره بالحديبية  وحلقه رأسه . وقال : كان فتح الحديبية  آية عظيمة ، نزح ماؤها فمج فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه . وقال  موسى بن عقبة    : قال رجل عند منصرفهم من الحديبية    : ما هذا بفتح ، لقد صدونا عن البيت . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ويسألوكم القضية ويرغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا ] . وقال الشعبي  في قوله تعالى :   [ ص: 239 ] إنا فتحنا لك فتحا مبينا  قال : هو فتح الحديبية  ، لقد أصاب بها ما لم يصب في غزوة ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وبويع بيعة الرضوان ، وأطعموا نخل خيبر  ، وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم  على فارس  ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب  على المجوس    . وقال الزهري    : لقد كان الحديبية  أعظم الفتوح ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إليها في ألف وأربعمائة ، فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم في بعض وعلموا وسمعوا عن الله ، فما أراد أحد الإسلام إلا تمكن منه ، فما مضت تلك السنتان إلا والمسلمون قد جاءوا إلى مكة  في عشرة آلاف   . وقال مجاهد  أيضا والعوفي    : هو فتح خيبر    . والأول أكثر ، وخيبر  إنما كانت وعدا وعدوه ، على ما يأتي بيانه في قوله تعالى : سيقول المخلفون إذا انطلقتم  وقوله : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه    . وقال مجمع بن جارية    - وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن - : شهدنا الحديبية  مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعض الناس لبعض : ما بال الناس ؟ قالوا : أوحى الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال : فخرجنا نوجف فوجدنا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - عند كراع الغميم  ، فلما اجتمع الناس قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنا فتحنا لك فتحا مبينا  فقال عمر بن الخطاب    : أوفتح هو يا رسول الله ؟ قال : [ نعم ، والذي نفسي بيده إنه لفتح ] . فقسمت خيبر  على أهل الحديبية  ، لم يدخل أحد إلا من شهد الحديبية    . 
وقيل : إن قوله تعالى : فتحا يدل على أن مكة  فتحت عنوة ;  لأن اسم الفتح لا يقع مطلقا إلا على ما فتح عنوة . هذا هو حقيقة الاسم . وقد يقال : فتح البلد صلحا ، فلا يفهم الصلح إلا بأن يقرن بالفتح ، فصار الفتح في الصلح مجازا . والأخبار دالة على أنها فتحت عنوة ، وقد مضى القول فيها ، ويأتي . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					