[ ص: 242 ] وهي اثنتان وعشرون آية 
مدنية في قول الجميع . إلا رواية عن عطاء    : أن العشر الأول منها مدني وباقيها مكي ، وقال الكلبي    : نزل جميعها بالمدينة  غير قوله تعالى : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم  نزلت بمكة    . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير  
فيه مسألتان : 
الأولى : قوله تعالى : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله  التي اشتكت إلى الله هي خولة بنت ثعلبة . وقيل : بنت حكيم    . وقيل اسمها جميلة    . وخولة  أصح ، وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت  ، وقد مر بها عمر بن الخطاب  رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار ، فاستوقفته طويلا ، ووعظته وقالت : يا عمر  قد كنت تدعى عميرا  ، ثم قيل لك : عمر  ، ثم قيل لك : أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر  ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب ، وهو واقف يسمع كلامها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة  سمع الله   [ ص: 243 ] قولها من فوق سبع سموات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر  ؟ وقالت عائشة  رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة  ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تقول : يا رسول الله ! أكل شبابي ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ! فما برحت حتى نزل جبريل  بهذه الآية : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله  خرجه ابن ماجه  في السنن . والذي في  البخاري  من هذا عن عائشة  قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عز وجل : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها    . وقال  الماوردي    : هي خولة بنت ثعلبة . وقيل : بنت خويلد    . وليس هذا بمختلف ، لأن أحدهما أبوها والآخر جدها فنسبت إلى كل واحد منهما . وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت    . وقال الثعلبي  قال ابن عباس    : هي خولة بنت خويلد . الخزرجية  ، كانت تحت أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت  ، وكانت حسنة الجسم ، فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها ، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها ، قال عروة    : وكان امرأ به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها : أنت علي كظهر أمي . وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : حرمت عليه فقالت : والله ما ذكر طلاقا ، ثم قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني ، فقال : حرمت عليه ، فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية   . وروى الحسن    : أنها قالت : يا رسول الله ! قد نسخ الله سنن الجاهلية ، وإن زوجي ظاهر مني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أوحي إلي في هذا شيء فقالت : يا رسول الله ، أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا ؟ ! فقال : هو ما قلت لك فقالت : إلى الله أشكو لا إلى رسوله . فأنزل الله : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله  الآية   . وروى   [ ص: 244 ]  الدارقطني  من حديث قتادة  أن أنس بن مالك  حدثه قال : إن أوس بن الصامت  ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة  فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ظاهر حين كبرت سني ورق عظمي . فأنزل الله تعالى آية الظهار  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوس    : اعتق رقبة قال : مالي بذلك يدان . قال : فصم شهرين متتابعين قال : أما إني إذا أخطأني أن آكل في يوم ثلاث مرات يكل بصري . قال : فأطعم ستين مسكينا قال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة . قال : فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له ، والله غفور رحيم   . إن الله سميع بصير  قال : فكانوا يرون أن عنده مثلها وذلك لستين مسكينا ، وفي الترمذي  وسنن ابن ماجه    : أن سلمة بن صخر البياضي  ظاهر من امرأته ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : اعتق رقبة قال : فضربت صفحة عنقي بيدي . فقلت : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها . قال : فصم شهرين فقلت : يا رسول الله ! وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام . قال : فأطعم ستين مسكينا الحديث . وذكر  ابن العربي  في أحكامه : روي أن خولة بنت دليح  ظاهر منها زوجها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد حرمت عليه فقالت : أشكو إلى الله حاجتي . ثم عادت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرمت عليه فقالت : إلى الله أشكو حاجتي إليه  وعائشة  تغسل شق رأسه الأيمن ، ثم تحولت إلى الشق الآخر وقد نزل عليه الوحي ، فذهبت أن تعيد ، فقالت عائشة    : اسكتي فإنه قد نزل الوحي . فلما نزل القرآن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجها : اعتق رقبة قال : لا أجد . قال : صم شهرين متتابعين قال : إن لم آكل في اليوم ثلاث مرات خفت أن يعشو بصري . قال : فأطعم ستين مسكينا . قال : فأعني . فأعانه بشيء   . قال  أبو جعفر النحاس    : أهل التفسير على أنها خولة  وزوجها أوس بن الصامت  ، واختلفوا في نسبها ، قال بعضهم : هي أنصارية وهي بنت ثعلبة  ، وقال بعضهم : هي بنت دليح  ، وقيل : هي بنت خويلد  ، وقال بعضهم : هي بنت الصامت  ، وقال بعضهم : هي أمة كانت لعبد الله بن أبي   ، وهي التي أنزل الله فيها ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا  لأنه كان يكرهها على الزنى . وقيل : هي بنت حكيم    . قال النحاس    : وهذا ليس   [ ص: 245 ] بمتناقض ، يجوز أن تنسب مرة إلى أبيها ، ومرة إلى أمها ، ومرة إلى جدها ، ويجوز أن تكون أمة كانت لعبد الله بن أبي   فقيل لها : أنصارية بالولاء ، لأنه كان في عداد الأنصار  وإن كان من المنافقين . 
قرئ " قد سمع الله " بالادغام ، و " قد سمع الله " بالإظهار . والأصل في السماع إدراك المسموعات ، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن    . وقال  ابن فورك    : الصحيح أنه إدراك المسموع . 
قال  الحاكم أبو عبد الله  في معنى السميع : إنه المدرك للأصوات التي يدركها المخلقون بآذانهم من غير أن يكون له أذن ، وذلك راجع إلى أن الأصوات لا تخفى عليه ، وإن كان غير موصوف بالحس المركب في الأذن ، كالأصم من الناس لما لم تكن له هذه الحاسة لم يكن أهلا لإدراك الصوت . والسمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة والحياة والإرادة ، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه وتعالى متصفا بهما . وشكى واشتكى بمعنى واحد . 
وقرئ " تحاورك " أي : تراجعك الكلام وتجادلك أي : تسائلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					