قوله تعالى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين  
قوله تعالى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين   فيه ثلاث مسائل : 
الأولى : هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم . قال ابن زيد    : كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ . قال قتادة    : نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم    . وقيل : كان هذا الحكم لعلة وهو الصلح ، فلما زال الصلح بفتح مكة  نسخ الحكم وبقي الرسم يتلى . وقيل : هي مخصوصة في حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن بينه وبينه عهد لم ينقضه ; قاله الحسن    . الكلبي    : هم خزاعة  وبنو الحارث بن عبد مناف    . وقاله أبو صالح  ، وقال : هم خزاعة    . وقال مجاهد    : هي مخصوصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا . وقيل : يعني به النساء والصبيان لأنهم ممن لا يقاتل ; فأذن الله في برهم . حكاه بعض المفسرين . وقال أكثر أهل التأويل : هي محكمة . واحتجوا بأن أسماء بنت أبي بكر  سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل تصل أمها حين قدمت عليها مشركة ؟ قال : " نعم " خرجه  البخاري  ومسلم    . وقيل : إن الآية فيها نزلت . روى  عامر بن عبد الله بن الزبير  عن أبيه : أن أبا بكر الصديق  طلق امرأته قتيلة  في الجاهلية ، وهي أم أسماء بنت أبي بكر  ، فقدمت عليهم في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش  ، فأهدت إلى  أسماء بنت أبي بكر الصديق  قرطا وأشياء ; فكرهت أن تقبل منها حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فأنزل الله تعالى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين    . ذكر هذا الخبر  الماوردي  وغيره ، وخرجه  أبو داود الطيالسي  في مسنده . 
الثانية : قوله تعالى : " أن تبروهم " أن في موضع خفض على البدل من الذين ; أي لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم . وهم خزاعة  ، صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على ألا   [ ص: 54 ] يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا ; فأمر ببرهم والوفاء لهم إلى أجلهم ; حكاه الفراء    . 
" وتقسطوا إليهم " أي تعطوهم قسطا من أموالكم على وجه الصلة . وليس يريد به من العدل ; فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل ; قاله  ابن العربي    . 
الثالثة : قال القاضي أبو بكر  في كتاب الأحكام له : " استدل به بعض من تعقد عليه الخناصر على وجوب نفقة الابن المسلم على أبيه الكافر . وهذه وهلة عظيمة ، إذ الإذن في الشيء أو ترك النهي عنه لا يدل على وجوبه ، وإنما يعطيك الإباحة خاصة . وقد بينا أن إسماعيل بن إسحاق القاضي  دخل عليه ذمي فأكرمه ، فأخذ عليه الحاضرون في ذلك ; فتلا هذه الآية عليهم " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					