قوله تعالى : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون  
فيه ثلاث مسائل : 
الأولى : قوله تعالى : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار   في الخبر : أن المسلمين قالوا : رضينا بما حكم الله ; وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزلت : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا    . وروى الزهري  عن عروة  عن عائشة  رضي الله عنها قالت : حكم الله عز وجل بينكم فقال جل ثناؤه : واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا  فكتب إليهم المسلمون : قد حكم الله عز وجل بيننا بأنه إن جاءتكم امرأة منا أن توجهوا إلينا بصداقها ، وإن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إليكم بصداقها . فكتبوا إليهم : أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئا ، فإن كان لنا عندكم شيء فوجهوا به ، فأنزل الله عز وجل : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا    . وقال ابن عباس  في قوله تعالى : ذلكم حكم الله يحكم بينكم  أي بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة   يرد بعضهم إلى بعض   . قال الزهري    : ولولا العهد لأمسك النساء   [ ص: 62 ] ولم يرد إليهم صداقا . وقال قتادة  ومجاهد    : إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة . وقالا : هي فيمن بيننا وبينه عهد وليس بيننا وبينه عهد . وقالا : ومعنى فعاقبتم فاقتصصتم . فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا  يعني الصدقات . فهي عامة في جميع الكفار . وقال قتادة  أيضا : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار الذين بينكم وبينهم عهد ، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا . ثم نسخ هذا في سورة " التوبة " . وقال الزهري    : انقطع هذا عام الفتح . وقال  سفيان الثوري    : لا يعمل به اليوم . وقال قوم : هو ثابت الحكم الآن أيضا . حكاه القشيري    . 
الثانية : قوله تعالى : فعاقبتم قراءة العامة فعاقبتم ، وقرأ علقمة  والنخعي  وحميد   والأعرج    " فعقبتم " مشددة . وقرأ مجاهد    " فأعقبتم " وقال : صنعتم كما صنعوا بكم . وقرأ الزهري    " فعقبتم " خفيفة بغير ألف . وقرأ مسروق   وشقيق بن سلمة    " فعقبتم " بكسر القاف خفيفة . وقال : غنمتم . وكلها لغات بمعنى واحد . يقال : عاقب وعقب وعقب وأعقب وتعقب واعتقب وتعاقب إذا غنم . وقال القتبي    : فعاقبتم فغزوتم معاقبين غزوا بعد غزو . وقال ابن بحر    : أي فعاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها مهرها من غنائم المسلمين . 
الثالثة : قوله تعالى : فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا   قال ابن عباس    : يقول : إن لحقت امرأة مؤمنة بكفار أهل مكة  ، وليس بينكم وبينهم عهد ، ولها زوج مسلم قبلكم فغنمتم ، فأعطوا هذا الزوج المسلم مهره من الغنيمة قبل أن تخمس   . وقال الزهري    : يعطى من مال الفيء . وعنه يعطى من صداق من لحق بنا . وقيل : أي إن امتنعوا من أن يغرموا مهر هذه المرأة التي ذهبت إليهم ، فانبذوا العهد إليهم حتى إذا ظفرتم فخذوا ذلك منهم . قال الأعمش    : هي منسوخة . وقال عطاء    : بل حكمها ثابت . وقد تقدم جميع هذا . القشيري    : والآية نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان  ، ارتدت وتركت زوجها  عياض بن غنم القرشي  ، ولم ترتد امرأة من قريش  غيرها ، ثم عادت إلى الإسلام . وحكى الثعلبي  عن ابن عباس    : هن ست نسوة رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين    : أم الحكم بنت أبي سفيان  كانت تحت عياض بن أبي شداد الفهري    . وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة  ، وكانت تحت عمر بن الخطاب  ، فلما هاجر عمر  أبت وارتدت . وبروع بنت عقبة  ، كانت تحت شماس بن عثمان    . وعبدة بنت عبد العزى  ، كانت تحت هشام بن العاص    . وأم كلثوم بنت جرول  تحت عمر بن الخطاب    . وشهبة بنت غيلان    . فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة   . 
واتقوا الله : احذروا أن تتعدوا ما أمرتم به . 
 [ ص: 63 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					