( ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة  إن الله مع الصابرين   ( 153 ) ) 
( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون   ( 154 ) ) 
لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر ، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة  ، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها ، أو في نقمة فيصبر عليها ; كما جاء في الحديث :  " عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له : إن أصابته سراء ، فشكر ، كان خيرا له ; وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له "  . 
وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة ، كما تقدم في قوله : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين   ) [ البقرة : 45 ] . وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى  . والصبر صبران ، فصبر على ترك المحارم والمآثم ، وصبر على فعل الطاعات والقربات   . والثاني أكثر ثوابا لأنه المقصود . كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم   : الصبر في بابين ، الصبر لله بما أحب ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان ، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء . فمن كان هكذا ، فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم ، إن شاء الله . 
وقال  علي بن الحسين زين العابدين   : إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد : أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال : فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون : إلى الجنة . فيقولون : وقبل الحساب ؟ قالوا : نعم ، قالوا : ومن أنتم ؟ قالوا : الصابرون ، قالوا : وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله . قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين  . 
قلت : ويشهد لهذا قوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب   ) [ الزمر : 10 ] . 
وقال سعيد بن جبير   : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه ،  واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر . 
وقوله تعالى : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء   ) يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون ، كما جاء في صحيح مسلم   :  " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ، فاطلع عليهم ربك اطلاعة ،  [ ص: 467 ] فقال : ماذا تبغون ؟ فقالوا : يا ربنا ، وأي شيء نبغي ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا ، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا ، قالوا : نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا ، فنقاتل في سبيلك ، حتى نقتل فيك مرة أخرى ; لما يرون من ثواب الشهادة فيقول الرب جل جلاله : إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون "  . 
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد  ، عن الإمام  الشافعي  ، عن الإمام مالك  ، عن الزهري  ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك  ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه "  . 
ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضا ، وإن كان الشهداء قد خصصوا بالذكر في القرآن ، تشريفا لهم وتكريما وتعظيما . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					