( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين    ( 77 ) وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم   ( 78 ) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم   ( 79 ) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون   ( 80 ) ) 
قال مجاهد ،  وعكرمة ،   وعروة بن الزبير  ،  والسدي   . وقتادة   : جاء أبي بن خلف   [ لعنه الله ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم وهو يفتته ويذريه في الهواء ، وهو يقول : يا محمد ،  أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ فقال : " نعم ، يميتك الله تعالى ثم يبعثك ، ثم يحشرك إلى النار "  . ونزلت هذه الآيات من آخر " يس " : ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة   ) ، إلى آخرهن . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد  ، حدثنا محمد بن العلاء  ، حدثنا عثمان بن سعيد الزيات  ، عن هشيم ،  عن أبي بشر  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  ، أن العاص بن وائل  أخذ عظما من البطحاء  ففته بيده ، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيحيي الله هذا بعد ما أرى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم ، يميتك الله ثم يحييك ، ثم يدخلك جهنم "  . قال :  [ ص: 594 ] ونزلت الآيات من آخر " يس " . 
ورواه ابن جرير  عن يعقوب بن إبراهيم  ، عن هشيم ،  عن أبي بشر ،  عن سعيد بن جبير  ، فذكره ولم يذكر  " ابن عباس "   . 
وروي من طريق العوفي ،  عن ابن عباس  قال : جاء عبد الله بن أبي  بعظم ففته وذكر نحو ما تقدم . 
وهذا منكر ; لأن السورة مكية ، وعبد الله بن أبي ابن سلول  إنما كان بالمدينة   . وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أبي بن خلف  ، أو [ في ] العاص [ بن وائل ]  ، أو فيهما ، فهي عامة في كل من أنكر البعث . والألف واللام في قوله : ( أولم ير الإنسان   ) للجنس ، يعم كل منكر للبعث . 
( أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين   ) أي : أولم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ، فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين ، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين ، كما قال تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين  فجعلناه في قرار مكين  إلى قدر معلوم   ) [ المرسلات : 20 - 22 ] . وقال ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه   ) [ الإنسان : 2 ] أي : من نطفة من أخلاط متفرقة ، فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته ؟ كما قال  الإمام أحمد  في مسنده : 
حدثنا أبو المغيرة  ، حدثنا حريز ،  حدثني عبد الرحمن بن ميسرة  ، عن  جبير بن نفير  ، عن بسر بن جحاش   ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه ، فوضع عليها أصبعه ، ثم قال : " قال الله تعالى : ابن آدم ،  أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سويتك وعدلتك ، مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت ، حتى إذا بلغت التراقي قلت : أتصدق وأنى أوان الصدقة ؟ "  . 
ورواه ابن ماجه  عن أبي بكر بن أبي شيبة  ، عن  يزيد بن هارون  ، عن جرير بن عثمان  ، به . ولهذا قال : ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم   ) ؟ أي : استبعد إعادة الله تعالى - ذي القدرة العظيمة التي خلقت السماوات والأرض - للأجساد والعظام الرميمة ، ونسي نفسه ، وأن الله خلقه من العدم ، فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده ; ولهذا قال تعالى : ( قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم   ) أي : يعلم العظام في سائر أقطار الأرض وأرجائها ، أين ذهبت ، وأين تفرقت وتمزقت . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا عفان ،  حدثنا أبو عوانة  ، عن  عبد الملك بن عمير ،  عن ربعي  قال : قال عقبة بن عمرو لحذيفة   : ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : سمعته يقول :  " إن رجلا حضره الموت ، فلما أيس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا  [ ص: 595 ] جزلا ثم أوقدوا فيه نارا ، حتى إذا [ أكلت ] لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت ، فخذوها فدقوها فذروها في اليم . ففعلوا ، فجمعه الله إليه فقال له : لم فعلت ذلك ؟ قال : من خشيتك . فغفر الله له "  . فقال عقبة بن عمرو   : وأنا سمعته يقول ذلك ، وكان نباشا . 
وقد أخرجاه في الصحيحين ، من حديث  عبد الملك بن عمير  ، بألفاظ كثيرة منها : أنه أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ، ثم يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر ، في يوم رائح ، أي : كثير الهواء - ففعلوا ذلك . فأمر الله البحر فجمع ما فيه ، وأمر البر فجمع ما فيه ، ثم قال له : كن . فإذا هو رجل قائم . فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : مخافتك وأنت أعلم . فما تلافاه أن غفر له "  . 
وقوله : ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون   ) أي : الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرا نضرا ذا ثمر وينع ، ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسا ، توقد به النار ، كذلك هو فعال لما يشاء ، قادر على ما يريد لا يمنعه شيء . 
قال قتادة في قوله : ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون   ) يقول : الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه . 
وقيل : المراد بذلك سرح المرخ والعفار ، ينبت في أرض الحجاز  فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد ، فيأخذ منه عودين أخضرين ، ويقدح أحدهما بالآخر ، فتتولد النار من بينهما ، كالزناد سواء . روي هذا عن ابن عباس  ، رضي الله عنهما . وفي المثل : لكل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار . وقال الحكماء : في كل شجر نار إلا الغاب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					