( وجعلنا ذريته هم الباقين   ( 77 ) وتركنا عليه في الآخرين   ( 78 ) سلام على نوح في العالمين   ( 79 ) إنا كذلك نجزي المحسنين   ( 80 ) إنه من عبادنا المؤمنين   ( 81 ) ثم أغرقنا الآخرين   ( 82 ) ) 
لما ذكر تعالى عن أكثر الأولين أنهم ضلوا عن سبيل النجاة ، شرع يبين ذلك مفصلا فذكر نوحا   - عليه السلام - وما لقي من قومه من التكذيب ، وأنه لم يؤمن منهم إلا القليل مع طول المدة ، [ فإنه ] لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلما طال عليه ذلك واشتد عليه تكذيبهم ، وكلما دعاهم ازدادوا نفرة ، فدعى ربه أني مغلوب فانتصر ، فغضب الله لغضبه عليهم ; ولهذا قال : ( ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون   ) أي : فلنعم المجيبون له . ( ونجيناه وأهله من الكرب العظيم   ) ، وهو التكذيب والأذى ، ( وجعلنا ذريته هم الباقين   ) قال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  يقول : لم تبق إلا ذرية نوح   - عليه السلام -  . 
وقال  سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة  في قوله : ( وجعلنا ذريته هم الباقين   ) قال : الناس كلهم من ذرية نوح   [ عليه السلام ]  . 
وقد روى الترمذي  ،  وابن جرير  ،  وابن أبي حاتم  ، من حديث  سعيد بن بشير  ، عن قتادة  ، عن الحسن  ، عن سمرة  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( وجعلنا ذريته هم الباقين   ) قال : " سام  ، وحام  ويافث   "  . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا عبد الوهاب  ، عن سعيد  ، عن قتادة  ، عن الحسن  ، عن سمرة   ; أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " سام  أبو العرب  ، وحام  أبو الحبش  ، ويافث  أبو الروم   " . 
ورواه الترمذي  عن بشر بن معاذ العقدي  ، عن  يزيد بن زريع  ، عن  سعيد - وهو ابن أبي عروبة   -  [ ص: 23 ] عن قتادة  ، به . 
قال  الحافظ أبو عمر بن عبد البر   : وقد روي عن عمران بن حصين  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . والمراد بالروم هاهنا : هم الروم  الأول ، وهم اليونان  المنتسبون إلى رومي بن ليطي بن يونان بن يافث بن نوح   - عليه السلام - . ثم روي من حديث إسماعيل بن عياش  ، عن يحيى بن سعيد  ، عن  سعيد بن المسيب  قال : ولد نوح   - عليه السلام - ثلاثة : سام  وحام  ويافث  ، وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة ، فولد سام  العرب  وفارس  والروم  ، وولد يافث  الترك  والصقالبة  ويأجوج ومأجوج  ، وولد حام  القبط  والسودان  والبربر   . وروي عن  وهب بن منبه  نحو هذا ، والله أعلم . 
وقوله : ( وتركنا عليه في الآخرين   ) ، قال ابن عباس   : يذكر بخير . 
وقال مجاهد   : يعني لسان صدق للأنبياء كلهم . 
وقال قتادة   والسدي   : أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين . قال الضحاك   : السلام والثناء الحسن . 
وقوله تعالى : ( سلام على نوح في العالمين   ) مفسر لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه في جميع الطوائف والأمم . 
( إنا كذلك نجزي المحسنين   ) أي : هكذا نجزي من أحسن من العباد في طاعة الله ، نجعل له لسان صدق يذكر به بعده بحسب مرتبته في ذلك . 
ثم قال : ( إنه من عبادنا المؤمنين   ) أي المصدقين الموحدين الموقنين ، ( ثم أغرقنا الآخرين   ) أي : أهلكناهم ، فلم تبق منهم عين تطرف ، ولا ذكر لهم ولا عين ولا أثر ، ولا يعرفون إلا بهذه الصفة القبيحة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					