[ ص: 161 ] تفسير سورة فصلت وهي مكية . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
 ( حم   ( 1 ) تنزيل من الرحمن الرحيم    ( 2 ) كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون   ( 3 ) بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون   ( 4 ) وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون   ( 5 ) ) 
يقول تعالى : ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم   ) يعني : القرآن منزل من الرحمن الرحيم  ، كقوله تعالى : ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق   ) [ النحل : 102 ] وقوله : ( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين   ) [ الشعراء : 192 - 194 ] . 
وقوله : ( كتاب فصلت آياته   ) أي : بينت معانيه وأحكمت أحكامه ، ( قرآنا عربيا   ) أي : في حال كونه لفظا عربيا  ، بينا واضحا ، فمعانيه مفصلة ، وألفاظه واضحة غير مشكلة ، كقوله : ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير   ) [ هود : 1 ] أي : هو معجز من حيث لفظه ومعناه ، ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد   ) [ فصلت : 42 ] . 
وقوله : ( لقوم يعلمون   ) أي : إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون ، ( بشيرا ونذيرا   ) أي : تارة يبشر المؤمنين ، وتارة ينذر الكافرين ،  ( فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون    ) أي : أكثر قريش ، فهم لا يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه . 
( وقالوا قلوبنا في أكنة   ) أي : في غلف مغطاة ( مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر   ) أي : صمم عما جئتنا به ، ( ومن بيننا وبينك حجاب   ) فلا يصل إلينا شيء مما تقول ، ( فاعمل إننا عاملون   ) أي : اعمل أنت على طريقتك ، ونحن على طريقتنا لا نتابعك . 
قال الإمام العلم عبد بن حميد  في مسنده : حدثني ابن أبي شيبة  ، حدثنا علي بن مسهر  عن الأجلح  ، عن الذيال بن حرملة الأسدي  عن  جابر بن عبد الله   - رضي الله عنه - قال : اجتمعت قريش  يوما فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر  ، فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعاب ديننا ، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه ؟ فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة   . فقالوا : أنت يا أبا الوليد   . فأتاه عتبة  فقال : يا محمد ،  أنت خير أم عبد الله  ؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنت خير أم عبد المطلب  ؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك ، فقد عبدوا الآلهة التي عبت ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع  [ ص: 162 ] قولك ، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك ; فرقت جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعبت ديننا ، وفضحتنا في العرب ، حتى لقد طار فيهم أن في قريش  ساحرا ، وأن في قريش  كاهنا . والله ما ننظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف ، حتى نتفانى - أيها الرجل - إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش  رجلا ، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش   [ شئت ] فلنزوجك عشرا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فرغت ؟ " قال : نعم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( بسم الله الرحمن الرحيم . حم تنزيل من الرحمن الرحيم   ) حتى بلغ : ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود   ) فقال عتبة   : حسبك ! حسبك ! ما عندك غير هذا ؟ قال : " لا " فرجع إلى قريش  فقالوا : ما وراءك ؟ قال : ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته . قالوا : فهل أجابك ؟ [ قال : نعم ، قالوا : فما قال ؟ ] قال : لا والذي نصبها بنية ما فهمت شيئا مما قال ، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود . قالوا : ويلك ! يكلمك الرجل بالعربية ما تدري ما قال ؟ ! قال : لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة  . 
وهكذا رواه  الحافظ أبو يعلى الموصلي  في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة  بإسناده مثله سواء . 
وقد ساقه البغوي  في تفسيره بسنده عن  محمد بن فضيل  ، عن الأجلح - وهو ابن عبد الله الكندي [ الكوفي ]  وقد ضعف بعض الشيء - عن الذيال بن حرملة  ، عن جابر  ، فذكر الحديث إلى قوله :  ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود   ) فأمسك عتبة  على فيه ، وناشده بالرحم ، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش  واحتبس عنهم . فقال أبو جهل   : يا معشر قريش ،  والله ما نرى عتبة  إلا قد صبا إلى محمد ،  وأعجبه طعامه ، وما ذاك إلا من حاجة [ قد ] أصابته ، فانطلقوا بنا إليه . فانطلقوا إليه فقال أبو جهل   : يا عتبة  ، ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد  وأعجبك طعامه ، فإن كانت لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد   . فغضب عتبة  ، وأقسم ألا يكلم محمدا  أبدا ، وقال : والله لقد علمتم أني من أكثر قريش  مالا ولكني أتيته وقصصت عليه [ القصة ] فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، وقرأ السورة إلى قوله : ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود   ) فأمسكت بفيه ، وناشدته بالرحم أن يكف ، وقد علمتم أن محمدا  إذا قال شيئا لم يكذب ، فخشيت أن ينزل بكم العذاب  . 
وهذا السياق أشبه من سياق البزار  وأبي يعلى  ، والله أعلم . 
وقد أورد هذه القصة الإمام محمد بن إسحاق بن يسار  في كتاب السيرة على خلاف هذا النمط ، فقال : 
 [ ص: 163 ] 
حدثني يزيد بن زياد  ، عن  محمد بن كعب القرظي  قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة   - وكان سيدا - قال يوما وهو جالس في نادي قريش ،  ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش  ألا أقوم إلى محمد  فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها ، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة  ، ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيدون ويكثرون ، فقالوا : بلى يا أبا الوليد  ، فقم إليه فكلمه . فقام إليه عتبة  حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت به أحلامهم ، وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها . قال : فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قل يا أبا الوليد  أسمع " . قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا أموالا . وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك . وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا . وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة  ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع منه قال : " أفرغت يا أبا الوليد  ؟ " قال : نعم . قال : " فاستمع مني " قال : أفعل . قال : ( بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون   ) ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يقرؤها عليه . فلما سمع عتبة  أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه ، ثم انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال : " قد سمعت يا أبا الوليد  ما سمعت ، فأنت وذاك ، فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : أقسم - يحلف بالله - لقد جاءكم أبو الوليد  بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد  ؟ قال : ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة . يا معشر قريش ،  أطيعوني واجعلوها لي ، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به . قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد  بلسانه ! قال : هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم  . 
وهذا السياق أشبه من الذي قبله ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					