[ ص: 325 ] تفسير سورة الفتح وهي مكية تفسير سورة الفتح وهي مكية . 
قال الإمام أحمد  حدثنا  وكيع  ، حدثنا شعبة  ، عن معاوية بن قرة  قال : سمعت عبد الله بن مغفل  يقول : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجع فيها - قال معاوية   : لولا أني أكره أن يجتمع الناس علينا لحكيت لكم قراءته ، أخرجاه من حديث شعبة  به . 
بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا    ( 1 ) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما   ( 2 ) وينصرك الله نصرا عزيزا   ( 3 ) ) . 
نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية  في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة ، حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام  ليقضي عمرته فيه ، وحالوا بينه وبين ذلك ، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة ، وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل ، فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة ، منهم  عمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - كما سيأتي تفصيله في موضعه من تفسير هذه السورة إن شاء الله . فلما نحر هديه حيث أحصر ، ورجع ، أنزل الله عز وجل ، هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم ، وجعل ذلك الصلح فتحا باعتبار ما فيه من المصلحة ، وما آل الأمر إليه ، كما روي عن ابن مسعود   - رضي الله عنه - وغيره أنه قال : إنكم تعدون الفتح فتح مكة ،  ونحن نعد الفتح صلح الحديبية    . 
وقال الأعمش  ، عن أبي سفيان  ، عن جابر  قال : ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية   . 
وقال  البخاري   : حدثنا  عبيد الله بن موسى  ، عن إسرائيل  ، عن أبي إسحاق  ، عن البراء  قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ،  وقد كان فتح مكة  فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ،  كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة مائة ، والحديبية  بئر . فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ، ثم تمضمض ودعا ، ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا  . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا أبو نوح  ، حدثنا مالك بن أنس  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن أبيه ، عن  عمر بن الخطاب  قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، قال : فسألته عن شيء - ثلاث مرات - فلم  [ ص: 326 ] يرد علي ، قال : فقلت لنفسي : ثكلتك أمك يابن الخطاب ، نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات فلم يرد عليك ؟ قال : فركبت راحلتي فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء ، قال : فإذا أنا بمناد ينادي : يا عمر ، أين عمر ؟ قال : فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء ، قال : فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر   )  . 
ورواه  البخاري  ،  والترمذي  ،  والنسائي  من طرق ، عن مالك  ، رحمه الله ، وقال  علي بن المديني   : هذا إسناد مديني [ جيد ] لم نجده إلا عندهم . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، أخبرنا معمر  ، عن قتادة  ، عن أنس بن مالك   - رضي الله عنه - قال : نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر   ) مرجعه من الحديبية ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض " ، ثم قرأها عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : هنيئا مريئا يا نبي الله ، لقد بين الله - عز وجل - ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه : ( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات   ) حتى بلغ : ( فوزا عظيما   )  [ الفتح : 5 ] ، أخرجاه في الصحيحين من رواية قتادة  به . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا إسحاق بن عيسى  ، حدثنا مجمع بن يعقوب  ، قال : سمعت أبي يحدث عن عمه عبد الرحمن بن أبي يزيد الأنصاري  عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري   - وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن - قال : شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس ينفرون الأباعر ، فقال الناس بعضهم لبعض : ما للناس ؟ قالوا : أوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجنا مع الناس نوجف ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته عند كراع الغميم ، فاجتمع الناس عليه ، فقرأ عليهم : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا   ) ، قال : فقال رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي رسول الله ، وفتح هو ؟ قال : " إي والذي نفس محمد بيده ، إنه لفتح  " . فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية ، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة فارس ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما . 
رواه أبو داود  في الجهاد عن محمد بن عيسى  ، عن مجمع بن يعقوب  ، به . 
وقال ابن جرير   : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع  ، حدثنا أبو بحر  ، حدثنا شعبة  ، حدثنا جامع بن شداد  ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة  ، قال : سمعت  عبد الله بن مسعود  يقول : لما  [ ص: 327 ] أقبلنا من الحديبية أعرسنا فنمنا ، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت ، فاستيقظنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نائم ، قال : فقلنا : " امضوا " . فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فقال : " افعلوا ما كنتم تفعلون وكذلك [ يفعل ] من نام أو نسي " . قال : وفقدنا ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلبناها ، فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة ، فأتيته بها فركبها ، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي ، قال : وكان إذا أتاه [ الوحي ] اشتد عليه ، فلما سري عنه أخبرنا أنه أنزل عليه : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا   )  . 
وقد رواه أحمد  وأبو داود  ،  والنسائي  من غير وجه ، عن جامع بن شداد  به . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرحمن  ، حدثنا سفيان  عن  زياد بن علاقة  ، قال : سمعت المغيرة بن شعبة  يقول : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي حتى ترم قدماه  ، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " أفلا أكون عبدا شكورا  " . 
أخرجاه وبقية الجماعة إلا أبا داود  من حديث زياد به . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا هارون بن معروف  ، حدثنا ابن وهب  ، حدثني أبو صخر  ، عن ابن قسيط  ، عن عروة بن الزبير  ، عن عائشة ،  قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه . 
فقالت له عائشة : يا رسول الله ، أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " يا عائشة ، أفلا أكون عبدا شكورا ؟  " . 
أخرجه مسلم  في الصحيح من رواية  عبد الله بن وهب  ، به . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا علي بن الحسين  ، حدثنا عبد الله بن عون الخراز   - وكان ثقة بمكة -  حدثنا محمد بن بشر  حدثنا مسعر  ، عن قتادة  ، عن أنس  ، قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تورمت قدماه - أو قال ساقاه - فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا ؟  " غريب من هذا الوجه . 
 [ ص: 328 ] فقوله : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا   ) أي : بينا ظاهرا ، والمراد به صلح الحديبية فإنه حصل بسببه خير جزيل ، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض ، وتكلم المؤمن مع الكافر ، وانتشر العلم النافع والإيمان . 
وقوله : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر   ) : هذا من خصائصه - صلوات الله وسلامه عليه - التي لا يشاركه فيها غيره . وليس صحيحا في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو - صلوات الله وسلامه عليه - في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه ، لا من الأولين ولا من الآخرين ، وهو أكمل البشر على الإطلاق ، وسيدهم في الدنيا والآخرة . ولما كان أطوع خلق الله لله ، وأكثرهم تعظيما لأوامره ونواهيه . قال حين بركت به الناقة : " حبسها حابس الفيل  " ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها  " فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح ، قال الله له : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك   ) أي : في الدنيا والآخرة ، ( ويهديك صراطا مستقيما   ) أي : بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم . 
( وينصرك الله نصرا عزيزا   ) أي : بسبب خضوعك لأمر الله يرفعك الله وينصرك على أعدائك ، كما جاء في الحديث الصحيح : " وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله  " . وعن  عمر بن الخطاب   [ رضي الله عنه ] أنه قال : ما عاقبت - أي في الدنيا والآخرة - أحدا عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله فيه .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					