( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض  ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين   ( 222 ) نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين   ( 223 ) ) 
 [ ص: 585 ] 
قال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي  ، حدثنا حماد بن سلمة  ، عن ثابت ،  عن أنس   : أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب النبي [ النبي ] صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن   ) حتى فرغ من الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " . فبلغ ذلك اليهود ،  فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه ! فجاء  أسيد بن حضير   وعباد بن بشر  فقالا : يا رسول الله ، إن اليهود  قالت كذا وكذا ، أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا ، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل في آثارهما ، فسقاهما ، فعرفا أن لم يجد عليهما  . 
رواه مسلم  من حديث حماد بن سلمة   . 
فقوله : ( فاعتزلوا النساء في المحيض   ) يعني [ في ] الفرج ، لقوله :  " اصنعوا كل شيء إلا النكاح "  ; ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم إلى أنه تجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج   . 
قال أبو داود   : حدثنا موسى بن إسماعيل  ، حدثنا حماد ،  عن أيوب ،  عن عكرمة ،  عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ، ألقى على فرجها ثوبا  . 
وقال أبو داود  أيضا : حدثنا القعنبي ،  حدثنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم  عن عبد الرحمن يعني ابن زياد عن عمارة بن غراب   : أن عمة له حدثته : أنها سألت عائشة  قالت : إحدانا تحيض ، وليس لها ولزوجها فراش إلا فراش واحد ؟ قالت : أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم : دخل فمضى إلى مسجده قال أبو داود   : تعني مسجد بيتها فما انصرف حتى غلبتني عيني ، وأوجعه البرد ، فقال : " ادني مني " . فقلت : إني حائض . فقال : " اكشفي عن فخذيك " . فكشفت فخذي ، فوضع خده وصدره على فخذي ، وحنيت عليه حتى دفئ ونام صلى الله عليه وسلم . وقال : أبو جعفر بن جرير   : حدثنا ابن بشار  ، حدثنا عبد الوهاب  ، حدثنا أيوب  عن كتاب أبي قلابة   : أن مسروقا  ركب إلى عائشة ،  فقال : السلام على النبي وعلى أهله . فقالت عائشة   : أبو  [ ص: 586 ] عائشة ! مرحبا مرحبا . فأذنوا له فدخل ، فقال : إني أريد أن أسألك عن شيء ، وأنا أستحي . فقالت : إنما أنا أمك ، وأنت ابني . فقال : ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ فقالت : له كل شيء إلا فرجها  . 
ورواه أيضا عن حميد بن مسعدة  ، عن  يزيد بن زريع  ، عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن  ، عن مروان الأصفر  ، عن مسروق  قال : قلت  لعائشة   : ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت : كل شيء إلا الجماع  . 
وهذا قول ابن عباس  ، ومجاهد ،  والحسن ،  وعكرمة   . 
وروى ابن جرير  أيضا ، عن أبي كريب  ، عن ابن أبي زائدة  ، عن حجاج ،  عن  ميمون بن مهران  ، عن عائشة  قالت : له ما فوق الإزار . 
قلت : وتحل مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلاف . قالت عائشة   : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائض ، وكان يتكئ في حجري وأنا حائض ، فيقرأ القرآن  . وفي الصحيح عنها قالت : كنت أتعرق العرق وأنا حائض ، فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه ، وأشرب الشراب فأناوله ، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب  . 
وقال أبو داود   : حدثنا مسدد ،  حدثنا يحيى ،  عن جابر بن صبح  سمعت خلاسا الهجري  قال : سمعت عائشة  تقول : كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد ، وإني حائض طامث ، فإن أصابه مني شيء ، غسل مكانه لم يعده ، وإن أصاب يعني ثوبه شيء غسل مكانه لم يعده ، وصلى فيه  . 
فأما ما رواه أبو داود   : حدثنا سعيد بن عبد الجبار  ، حدثنا  عبد العزيز يعني ابن محمد  عن أبي اليمان  ، عن أم ذرة  ، عن عائشة   : أنها قالت : كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير ، فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر فهو محمول على التنزه والاحتياط  . 
وقال آخرون : إنما تحل له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار ، كما ثبت في الصحيحين ، عن  ميمونة بنت الحارث الهلالية  قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض  . وهذا لفظ  البخاري   . ولهما عن عائشة  نحوه . 
وروى الإمام أحمد ،  وأبو داود  ،  والترمذي ،   وابن ماجه  من حديث العلاء بن الحارث  ، عن حزام  [ ص: 587 ] بن حكيم  ، عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري   : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال : " ما فوق الإزار "  . 
ولأبي داود  أيضا ، عن معاذ بن جبل  قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض . قال : " ما فوق الإزار ، والتعفف عن ذلك أفضل "  . وهو رواية عن عائشة  كما تقدم  وابن عباس  ،  وسعيد بن المسيب  ، وشريح   . 
فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها ، وهو أحد القولين في مذهب  الشافعي  رحمه الله ، الذي رجحه كثير من العراقيين وغيرهم . ومأخذهم أنه حريم الفرج ، فهو حرام ، لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله عز وجل ، الذي أجمع العلماء على تحريمه ، وهو المباشرة في الفرج   . ثم من فعل ذلك فقد أثم ، فيستغفر الله ويتوب إليه . وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا ؟ فيه قولان : 
أحدهما : نعم ، لما رواه الإمام أحمد ،  وأهل السنن ، عن ابن عباس  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض : " يتصدق بدينار ، أو نصف دينار "  . وفي لفظ للترمذي   : " إذا كان دما أحمر فدينار ، وإن كان دما أصفر فنصف دينار " . وللإمام أحمد  أيضا ، عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في الحائض تصاب ، دينارا فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل ، فنصف دينار  . 
والقول الثاني : وهو الصحيح الجديد من مذهب  الشافعي ،  وقول الجمهور : أنه لا شيء في ذلك ، بل يستغفر الله عز وجل ، لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث ، فإنه [ قد ] روي مرفوعا كما تقدم وموقوفا ، وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث ، فقوله تعالى : ( ولا تقربوهن حتى يطهرن   ) تفسير لقوله : ( فاعتزلوا النساء في المحيض   ) ونهي عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجودا ، ومفهومه حله إذا انقطع ، [ وقد قال به طائفة من السلف . قال القرطبي   : وقال مجاهد  وعكرمة   وطاوس   : انقطاع الدم يحلها لزوجها ولكن بأن تتوضأ ] . 
وقوله : ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله   ) فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال . وذهب  ابن حزم  إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة ، لقوله : ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله   ) وليس له في ذلك مستند ، لأن هذا أمر بعد الحظر . وفيه أقوال لعلماء الأصول ، منهم من يقول : إنه للوجوب كالمطلق . وهؤلاء يحتاجون إلى جواب  ابن حزم  ، ومنهم من يقول : إنه للإباحة ، ويجعلون تقدم النهي عليه قرينة صارفة له عن الوجوب ، وفيه نظر . والذي ينهض عليه الدليل أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي ، فإن كان واجبا فواجب ، كقوله تعالى :  [ ص: 588 ]  ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين   ) [ التوبة : 5 ] ، أو مباحا فمباح ، كقوله تعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا   ) [ المائدة : 2 ] ، ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض   ) [ الجمعة : 10 ] وعلى هذا القول تجتمع الأدلة ، وقد حكاه  الغزالي  وغيره ، واختاره بعض أئمة المتأخرين ، وهو الصحيح . 
وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم  ، إن تعذر ذلك عليها بشرطه ، [ إلا يحيى بن بكير  من المالكية وهو أحد شيوخ  البخاري ،  فإنه ذهب إلى إباحة وطء المرأة بمجرد انقطاع دم الحيض ، ومنهم من ينقله عن ابن عبد الحكم  أيضا ، وقد حكاه القرطبي عن مجاهد  وعكرمة  عن طاوس  كما تقدم ] . إلا أن أبا حنيفة  ، رحمه الله ، يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض ، وهو عشرة أيام عنده : إنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل [ ولا يصح لأقل من ذلك المزيد في حلها من الغسل ويدخل عليها وقت صلاة إلا أن تكون دمثة ، فيدخل بمجرد انقطاعه ] والله أعلم . 
وقال ابن عباس   : ( حتى يطهرن   ) أي : من الدم ( فإذا تطهرن   ) أي : بالماء . وكذا قال مجاهد ،  وعكرمة ،  والحسن ،   ومقاتل بن حيان  ،  والليث بن سعد  ، وغيرهم . 
وقوله : ( من حيث أمركم الله   ) قال ابن عباس  ، ومجاهد ،  وغير واحد : يعني الفرج ; قال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس : ( فأتوهن من حيث أمركم الله   ) يقول في الفرج ولا تعدوه إلى غيره ، فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى . 
وقال ابن عباس  ومجاهد  وعكرمة   : ( فأتوهن من حيث أمركم الله   ) أي : أن تعتزلوهن . وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر ، كما سيأتي تقريره قريبا . 
وقال أبو رزين  ، وعكرمة ،  والضحاك  وغير واحد : ( فأتوهن من حيث أمركم الله   ) يعني : طاهرات غير حيض ، ولهذا قال تعالى : ( إن الله يحب التوابين   ) أي : من الذنب وإن تكرر غشيانه ، ( ويحب المتطهرين   ) أي : المتنزهين عن الأقذار والأذى ، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض ، أو في غير المأتى . 
وقوله : ( نساؤكم حرث لكم   ) قال ابن عباس   : الحرث موضع الولد ( فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) أي : كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد ، كما ثبتت بذلك الأحاديث . 
قال  البخاري   : حدثنا أبو نعيم  ، حدثنا سفيان  عن ابن المنكدر  قال : سمعت جابرا  قال : كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول ، فنزلت : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم    ) ورواه داود من حديث سفيان الثوري به . 
 [ ص: 589 ] 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  ، أخبرنا ابن وهب  ، أخبرني مالك بن أنس   وابن جريج   وسفيان بن سعيد الثوري   : أن محمد بن المنكدر  حدثهم : أن  جابر بن عبد الله  أخبره : أن اليهود  قالوا للمسلمين : من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول ، فأنزل الله عز وجل : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) 
قال  ابن جريج  في الحديث : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " مقبلة ومدبرة ، إذا كان ذلك في الفرج "  . 
وفي حديث  بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري  ، عن أبيه ، عن جده أنه قال : يا رسول الله ، نساؤنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال :  " حرثك ، ائت حرثك أنى شئت ، غير ألا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في المبيت  . الحديث ، رواه أحمد ،  وأهل السنن . 
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم   : حدثنا يونس ،  أخبرنا ابن وهب  ، أخبرني ابن لهيعة  عن يزيد بن أبي حبيب  ، عن عامر بن يحيى  ، عن حنش بن عبد الله  ، عن  عبد الله بن عباس  قال : أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عن أشياء ، فقال له رجل : إني أجبي النساء ، فكيف ترى في ذلك ، فأنزل الله : ( نساؤكم حرث لكم   ) . 
حديث آخر : قال أبو جعفر الطحاوي  في كتابه " مشكل الحديث " : حدثنا أحمد بن داود بن موسى  ، حدثنا يعقوب بن كاسب  ، حدثنا عبد الله بن نافع  ، عن  هشام بن سعد  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن  عطاء بن يسار  ، عن  أبي سعيد الخدري   : أن رجلا أصاب امرأة في دبرها ، فأنكر الناس عليه ذلك ، فأنزل الله : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) ورواه ابن جرير  عن يونس  وعن يعقوب ،  به . 
حديث آخر : قال الإمام أحمد   : حدثنا عفان ،  حدثنا وهيب ،  حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم  عن عبد الرحمن بن سابط  قال : دخلت على حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر  فقلت : إني سائلك عن أمر ، وإنى أستحيي أن أسألك . قالت : فلا تستحيي يا ابن أخي . قال : عن إتيان النساء في أدبارهن ؟ قالت : حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا لا يجبون النساء ، وكانت اليهود تقول : إنه من جبى امرأته كان الولد أحول ، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار ، فجبوهن ، فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت : لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدخلت على أم سلمة  فذكرت لها ذلك ، فقالت : اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيت الأنصارية أن تسأله ، فخرجت ، فحدثت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ادعي الأنصارية " : فدعيت ، فتلا عليها هذه الآية : " ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) صماما واحدا  " . 
 [ ص: 590 ] 
ورواه الترمذي ،  عن بندار ،  عن ابن مهدي  ، عن سفيان ،  عن ابن خثيم  به . وقال : حسن . 
قلت : وقد روي من طريق حماد بن أبي حنيفة  ، عن أبيه ، عن ابن خثيم عن يوسف بن ماهك  ، عن  حفصة أم المؤمنين   : أن امرأة أتتها فقالت : إن زوجي يأتيني محيية ومستقبلة فكرهته ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لا بأس إذا كان في صمام واحد "  . 
حديث آخر : قال الإمام أحمد   : حدثنا حسن ،  حدثنا  يعقوب يعني القمي  عن جعفر ،  عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  قال : جاء  عمر بن الخطاب  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت ! قال : " ما الذي أهلكك ؟ " قال : حولت رحلي البارحة ! قال : فلم يرد عليه شيئا . قال : فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) أقبل وأدبر ، واتق الدبر والحيضة "  . 
رواه الترمذي ،  عن عبد بن حميد  ، عن  حسن بن موسى الأشيب  ، به . وقال : حسن غريب . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا يحيى بن غيلان  ، حدثنا رشدين ،  حدثني الحسن بن ثوبان  ، عن عامر بن يحيى المعافري  ، عن حنش ،  عن ابن عباس  قال : أنزلت هذه الآية : ( نساؤكم حرث لكم   ) في أناس من الأنصار ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :  " آتها على كل حال ، إذا كان في الفرج "  . 
وقال الحافظ أبو يعلى   : حدثنا الحارث بن سريج  حدثنا عبد الله بن نافع  ، حدثنا  هشام بن سعد  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن  عطاء بن يسار  ، عن أبي سعيد  قال : أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أثفر فلان امرأته ، فأنزل الله عز وجل : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) . 
وقال أبو داود   : حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ  ، قال : حدثني  محمد يعني ابن سلمة  عن محمد بن إسحاق  ، عن أبان بن صالح  ، عن مجاهد ،  عن ابن عباس  قال : إن ابن عمر  والله يغفر له أوهم ، إنما كان أهل هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع أهل هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات . فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من  [ ص: 591 ] الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف . فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، فسرى أمرهما ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) أي : مقبلات ، ومدبرات ، ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد . 
تفرد به أبو داود  ، ويشهد له بالصحة ما تقدم من الأحاديث ، ولا سيما رواية أم سلمة  ، فإنها مشابهة لهذا السياق . 
وقد روى هذا الحديث الحافظ  أبو القاسم الطبراني  من طريق محمد بن إسحاق  ، عن أبان بن صالح  ، عن مجاهد  قال : عرضت المصحف على ابن عباس  من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها ، حتى انتهيت إلى هذه الآية : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) فقال ابن عباس   : إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ، ويتلذذون بهن . . فذكر القصة بتمام سياقها . 
وقول ابن عباس   : " إن ابن عمر  والله يغفر له أوهم " . كأنه يشير إلى ما رواه  البخاري   : 
حدثنا إسحاق ،  حدثنا النضر بن شميل  ، أخبرنا ابن عون  عن نافع  قال : كان ابن عمر  إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة ، حتى انتهى إلى مكان قال : أتدري فيم أنزلت ؟ قلت : لا . قال : أنزلت في كذا وكذا . ثم مضى . وعن عبد الصمد  قال : حدثني أبي ، حدثني أيوب ،  عن نافع ،  عن ابن عمر   : ( فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) قال : يأتيها في . . . 
هكذا رواه  البخاري ،  وقد تفرد به من هذه الوجوه . 
وقال ابن جرير   : حدثني يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا  ابن علية  ، حدثنا ابن عون  ، عن نافع  قال : قرأت ذات يوم : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) فقال ابن عمر   : أتدري فيم نزلت ؟ قلت : لا . قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن . 
وحدثني أبو قلابة  ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث  ، حدثني أبي ، عن أيوب ،  عن نافع ،  عن ابن عمر   : ( فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) قال : في الدبر . 
وروي من حديث مالك ،  عن نافع ،  عن ابن عمر  ، ولا يصح . 
وروى  النسائي ،  عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم  ، عن أبي بكر بن أبي أويس  ، عن  سليمان بن بلال  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن ابن عمر   : أن رجلا أتى امرأته في دبرها ، فوجد في نفسه من ذلك  [ ص: 592 ] وجدا شديدا ، فأنزل الله : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) . 
قال  أبو حاتم الرازي   : لو كان هذا عند  زيد بن أسلم  ، عن ابن عمر  لما أولع الناس بنافع   . وهذا تعليل منه لهذا الحديث . 
وقد رواه عبد الله بن نافع  ، عن داود بن قيس  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن  عطاء بن يسار  ، عن ابن عمر  فذكره . 
وهذا محمول على ما تقدم ، وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها ، لما رواه النسائي أيضا عن علي بن عثمان النفيلي  ، عن سعيد بن عيسى  ، عن المفضل بن فضالة عن عبد الله بن سليمان الطويل  ، عن كعب بن علقمة  ، عن أبي النضر   : أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر   : إنه قد أكثر عليك القول : إنك تقول عن ابن عمر  إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن قال : كذبوا علي ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر : إن ابن عمر  عرض المصحف يوما وأنا عنده ، حتى بلغ : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) فقال : يا نافع ،  هل تعلم من أمر هذه الآية ؟ قلت : لا . قال : إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار ، أردنا منهن مثل ما كنا نريد فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود ، إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم   ) . 
وهذا إسناد صحيح ، وقد رواه ابن مردويه  ، عن  الطبراني ،  عن الحسين بن إسحاق  ، عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري  ، عن مفضل بن فضالة  ، عن  عبد الله بن عياش  عن كعب بن علقمة  ، فذكره . وقد روينا عن ابن عمر  خلاف ذلك صريحا ، وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي ، وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم ، وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك  في كتاب السر وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك ،  رحمه الله . وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه ; فقال الحسن بن عرفة   : 
حدثنا إسماعيل بن عياش  عن سهيل بن أبي صالح  ، عن محمد بن المنكدر  ، عن جابر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " استحيوا ، إن الله لا يستحيي من الحق ، لا يحل مأتى النساء في حشوشهن "  . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرحمن  ، حدثنا سفيان ،  عن عبد بن شداد  عن رجل عن خزيمة بن ثابت   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها  . 
 [ ص: 593 ] 
طريق أخرى : قال أحمد   : حدثنا يعقوب ،  سمعت أبي يحدث ، عن  يزيد بن عبد الله بن أسامة ابن الهاد   : أن عبيد الله بن الحصين الوالبي  حدثه أن هرمي بن عبد الله الواقفي  حدثه : أن خزيمة بن ثابت الخطمي  حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " لا يستحيي الله من الحق ، لا يستحيي الله من الحق ثلاثا لا تأتوا النساء في أعجازهن "  . 
ورواه  النسائي ،   وابن ماجه  من طرق ، عن خزيمة بن ثابت   . وفي إسناده اختلاف كثير . 
حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي  ،  والنسائي   : حدثنا أبو سعيد الأشج ،  حدثنا أبو خالد الأحمر  ، عن الضحاك بن عثمان  ، عن مخرمة بن سليمان  ، عن كريب ،  عن ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر   "  . ثم قال الترمذي   : هذا حديث حسن غريب . وهكذا أخرجه  ابن حبان  في صحيحه . وصححه  ابن حزم  أيضا . ولكن رواه  النسائي ،  عن هناد ،  عن  وكيع ،  عن الضحاك ،  به موقوفا . 
وقال عبد : أخبرنا عبد الرزاق  ، أخبرنا معمر  عن ابن طاوس  ، عن أبيه : أن رجلا سأل ابن عباس  عن إتيان المرأة في دبرها ، قال : تسألني عن الكفر ! [ إسناد صحيح ] . 
وكذا رواه  النسائي ،  من طريق ابن المبارك ،  عن معمر  به نحوه . 
حديث آخر : قال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الصمد  ، حدثنا همام ،  حدثنا قتادة ،  عن عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى "  . 
وقال عبد الله بن أحمد   : حدثني هدبة ،  حدثنا همام ،  قال : سئل قتادة  عن الذي يأتي امرأته في دبرها . فقال قتادة   : حدثنا عمرو بن شعيب ،  عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هي اللوطية الصغرى " . 
قال قتادة   : وحدثني عقبة بن وساج  ، عن  أبي الدرداء  قال : وهل يفعل ذلك إلا كافر ؟ . 
وقد روى هذا الحديث  يحيى بن سعيد القطان  ، عن  سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة ،  عن أبي أيوب  ، عن  عبد الله بن عمرو بن العاص  ، قوله . وهذا أصح ، والله أعلم . 
وكذلك رواه عبد بن حميد  ، عن  يزيد بن هارون  ، عن حميد الأعرج  ، عن عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو  ، موقوفا من قوله . 
طريق أخرى : قال  جعفر الفريابي   : حدثنا قتيبة ،  حدثنا ابن لهيعة  ، عن  عبد الرحمن بن زياد بن أنعم  ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي  ، عن عبد الله بن عمرو  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " سبعة لا ينظر  [ ص: 594 ] الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ، ويقول : ادخلوا النار مع الداخلين : الفاعل والمفعول به ، والناكح يده ، وناكح البهيمة ، وناكح المرأة في دبرها ، وجامع بين المرأة وابنتها ، والزاني بحليلة جاره ، والمؤذي جاره حتى يلعنه "  . 
ابن لهيعة  وشيخه ضعيفان . 
حديث آخر : قال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، أخبرنا سفيان ،  عن عاصم ،  عن عيسى بن حطان  ، عن مسلم بن سلام  ، عن علي بن طلق  ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن ; فإن الله لا يستحيي من الحق  . 
وأخرجه أحمد  أيضا ، عن أبي معاوية  ،  وأبو عيسى الترمذي  من طريق أبي معاوية  أيضا ، عن عاصم الأحول   [ به ] وفيه زيادة ، وقال : هو حديث حسن . 
ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند  علي بن أبي طالب  ، كما وقع في مسند الإمام  أحمد بن حنبل  والصحيح أنه علي بن طلق   . 
حديث آخر : قال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، أخبرنا معمر ،  عن سهيل بن أبي صالح  ، عن الحارث بن مخلد  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه "  . 
وحدثنا عفان ،  حدثنا وهيب ،  حدثنا سهيل ،  عن الحارث بن مخلد  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها "  . 
وكذا رواه ابن ماجه  من طريق سهيل   . 
وحدثنا  وكيع ،  حدثنا سفيان  عن سهيل بن أبي صالح  ، عن الحارث بن مخلد  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " ملعون من أتى امرأة في دبرها "  . 
وهكذا رواه أبو داود  ،  والنسائي  من طريق  وكيع ،  به . 
طريق أخرى : قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني   : أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان  ، حدثنا  أبو عبد الرحمن النسائي  ، حدثنا هناد ،  ومحمد بن إسماعيل  واللفظ له قالا : حدثنا  وكيع ،  حدثنا سفيان ،  عن سهيل بن أبي صالح  ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " ملعون من أتى امرأة في دبرها "  . 
 [ ص: 595 ] 
ليس هذا الحديث هكذا في سنن  النسائي ،  وإنما الذي فيه عن سهيل ،  عن الحارث بن مخلد  ، كما تقدم . 
قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي   : ورواية أحمد بن القاسم بن الريان  هذا الحديث بهذا السند ، وهم منه ، وقد ضعفوه . 
طريق أخرى : رواها مسلم بن خالد الزنجي  ، عن العلاء بن عبد الرحمن  ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى عليه وسلم قال :  " ملعون من أتى النساء في أدبارهن "  . 
 ومسلم بن خالد  فيه كلام ، والله أعلم . 
طريق أخرى : رواها الإمام أحمد ،  وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة  ، عن حكيم الأثرم  ، عن أبي تميمة الهجيمي  ، عن  أبي هريرة   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا فصدقه ، فقد كفر بما أنزل على محمد "  . 
وقال الترمذي   : ضعف  البخاري  هذا الحديث . والذي قاله  البخاري  في حديث حكيم [ الأثرم ]  عن أبي تميمة   : لا يتابع في حديثه . 
طريق أخرى : قال  النسائي   : حدثنا عثمان بن عبد الله ،  حدثنا سليمان بن عبد الرحمن  من كتابه ، عن عبد الملك بن محمد الصنعاني  ، عن سعيد بن عبد العزيز  ، عن الزهري ،  عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " استحيوا من الله حق الحياء ، لا تأتوا النساء في أدبارهن "  . 
تفرد به  النسائي  من هذا الوجه . 
قال  حمزة بن محمد الكناني  الحافظ : هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ،  ومن حديث أبي سلمة  ومن حديث سعيد ; فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد ، فإنما سمعه بعد الاختلاط ، وقد رواه الزهري  عن أبي سلمة  أنه كان ينهى عن ذلك ، فأما عن  أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا . انتهى كلامه . 
وقد أجاد وأحسن الانتقاد ; إلا أن عبد الملك [ بن محمد ] الصنعاني  لا يعرف أنه اختلط ، ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة الكناني  ، وهو ثقة ، ولكن تكلم فيه  دحيم ،  وأبو حاتم  ،  وابن حبان  ، وقال : لا يجوز الاحتجاج به ، فالله أعلم . وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد  ، عن سعيد بن عبد العزيز   . وروي من طريقين آخرين ، عن أبي سلمة   . ولا يصح منها شيء . 
طريق أخرى : قال  النسائي   : حدثنا إسحاق بن منصور  ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي  ، عن  سفيان الثوري  ، عن ليث بن أبي سليم  ، عن مجاهد ،  عن  أبي هريرة  قال : إتيان الرجال النساء في  [ ص: 596 ] أدبارهن كفر  . 
ثم رواه ، عن بندار ،  عن عبد الرحمن  ، به . قال : من أتى امرأة في دبرها ملك كفره . هكذا رواه  النسائي ،  من طريق الثوري ،  عن ليث ،  عن مجاهد ،  عن  أبي هريرة  موقوفا . وكذا رواه من طريق علي ابن بذيمة  ، عن مجاهد ،  عن  أبي هريرة  موقوفا . ورواه بكر بن خنيس  ، عن ليث ،  عن مجاهد ،  عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر  " والموقوف أصح ، وبكر بن خنيس  ضعفه غير واحد من الأئمة ، وتركه آخرون . 
حديث آخر : قال محمد بن أبان البلخي   : حدثنا  وكيع ،  حدثنا زمعة بن صالح ،  عن ابن طاوس ،  عن أبيه وعن  عمرو بن دينار  ، عن عبد الله بن يزيد بن الهاد  قالا قال  عمر بن الخطاب   : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " إن الله لا يستحيي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن "  . 
وقد رواه  النسائي   : حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ،  عن عثمان بن اليمان ،  عن زمعة بن صالح ،  عن ابن طاوس ،  عن أبيه ، عن ابن الهاد ،  عن عمر  قال : " لا تأتوا النساء في أدبارهن "  . 
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم  ، حدثنا يزيد بن أبي حكيم  ، عن زمعة بن صالح ،  عن  عمرو بن دينار  ، عن طاوس ،  عن عبد الله بن الهاد الليثي  قال : قال عمر رضي الله عنه : استحيوا من الله ، فإن الله لا يستحيي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن  . الموقوف أصح . 
حديث آخر : قال الإمام أحمد   : حدثنا غندر   ومعاذ بن معاذ  قالا : حدثنا شعبة عن عاصم الأحول ،  عن عيسى بن حطان ،  عن مسلم بن سلام ،  عن طلق بن يزيد  أو يزيد بن طلق  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " إن الله لا يستحيي من الحق ، لا تأتوا النساء في أستاههن "  . 
وكذا رواه غير واحد ، عن شعبة   . ورواه عبد الرزاق  ، عن معمر ،  عن عاصم الأحول ،  عن عيسى بن حطان ،  عن مسلم بن سلام ،  عن طلق بن علي ،  والأشبه أنه علي بن طلق ،  كما تقدم ، والله أعلم . 
حديث آخر : قال أبو بكر الأثرم  في سننه : حدثنا أبو مسلم الحرمي  ، حدثنا أخي أنيس بن إبراهيم  أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع  أخبره ، عن أبيه أبي القعقاع  ، عن ابن مسعود ،   [ ص: 597 ] رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " محاش النساء حرام "  . 
وقد رواه إسماعيل بن علية  ،  وسفيان الثوري ،  وشعبة ،  وغيرهم ، عن أبي عبد الله الشقري واسمه سلمة بن تمام   : ثقة عن أبي القعقاع ،  عن ابن مسعود  موقوفا . وهو أصح . 
طريق أخرى : قال  ابن عدي   : حدثنا أبو عبد الله المحاملي  ، حدثنا سعيد بن يحيى الأموي  ، حدثنا محمد بن حمزة  ، عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة  ، عن عبد الله  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لا تأتوا النساء في أعجازهن " محمد بن حمزة هو الجزري  وشيخه ، فيهما مقال . 
وقد روي من حديث أبي بن كعب   والبراء بن عازب ،   وعقبة بن عامر  وأبي ذر  ، وغيرهم . وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث ، والله أعلم . 
وقال الثوري ،  عن الصلت بن بهرام ،  عن أبي المعتمر  ، عن أبي جويرية  قال : سأل رجل عليا  عن إتيان امرأة في دبرها ، فقال : سفلت ، سفل الله بك ! ألم تسمع إلى قول الله عز وجل : ( أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين   ) [ الأعراف : 80 ] . 
وقد تقدم قول ابن مسعود ،   وأبي الدرداء ،   وأبي هريرة ،   وابن عباس ،   وعبد الله بن عمرو  في تحريم ذلك ، وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمر  ، رضي الله عنهما ، أنه يحرمه . 
قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الدارمي  في مسنده : حدثنا عبد الله بن صالح ،  حدثنا الليث ،  عن الحارث بن يعقوب ،  عن  سعيد بن يسار أبي الحباب  قال : قلت  لابن عمر   : ما تقول في الجواري ، أنحمض لهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكر الدبر . فقال : وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ 
وكذا رواه ابن وهب  وقتيبة ،  عن الليث ،  به . وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك ، فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم . 
وقال ابن جرير   : حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ،  حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر  حدثني عبد الرحمن بن القاسم ،  عن مالك بن أنس  أنه قيل له : يا أبا عبد الله  ، إن الناس يروون عن  سالم بن عبد الله  أنه قال : كذب العبد ، أو العلج ، على أبي [ عبد الله ]  فقال مالك   : أشهد على يزيد بن رومان  أنه أخبرني ، عن  سالم بن عبد الله ،  عن ابن عمر  مثل ما قال نافع   . فقيل له : فإن الحارث بن يعقوب  يروي عن  أبي الحباب سعيد بن يسار   : أنه سأل ابن عمر  فقال له : يا أبا عبد الرحمن  ، إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ فقال : وما التحميض ؟ فذكر له الدبر . فقال ابن عمر   : أف ! أف ! أيفعل ذلك مؤمن أو قال : مسلم . فقال مالك   : أشهد على ربيعة  [ ص: 598 ] لأخبرني عن أبي الحباب ،  عن ابن عمر  ، مثل ما قال نافع   . 
وروى  النسائي ،  عن الربيع بن سليمان  ، عن أصبغ بن الفرج الفقيه  ، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم  قال : قلت لمالك   : إن عندنا بمصر الليث بن سعد  يحدث عن الحارث بن يعقوب  ، عن  سعيد بن يسار  ، قال : قلت  لابن عمر   : إنا نشتري الجواري ، فنحمض لهن ؟ قال : وما التحميض ؟ قلت : نأتيهن في أدبارهن . فقال : أف ! أف ! أو يعمل هذا مسلم ؟ فقال لي مالك   : فأشهد على ربيعة  لحدثني عن  سعيد بن يسار  أنه سأل ابن عمر  ، فقال : لا بأس به . 
وروى  النسائي  أيضا من طريق يزيد بن رومان ،  عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر  أن ابن عمر  كان لا يرى بأسا أن يأتي الرجل المرأة في دبرها . 
وروى  معن بن عيسى  ، عن مالك   : أن ذلك حرام . 
وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري   : حدثني إسماعيل بن حصين ،  حدثني إسماعيل بن روح   : سألت مالك بن أنس   : ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن : قال : ما أنتم قوم عرب . هل يكون الحرث إلا موضع الزرع ، لا تعدو الفرج  . 
قلت : يا أبا عبد الله ،  إنهم يقولون : إنك تقول ذلك ؟ ! قال : يكذبون علي ، يكذبون علي . 
فهذا هو الثابت عنه ، وهو قول أبي حنيفة ،   والشافعي ،   وأحمد بن حنبل  وأصحابهم قاطبة . وهو قول  سعيد بن المسيب  ، وأبي سلمة  ، وعكرمة ،   وطاوس ،   وعطاء ،   وسعيد بن جبير  ،  وعروة بن الزبير  ،  ومجاهد بن جبر  والحسن  وغيرهم من السلف : أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار ، ومنهم من يطلق على فاعله الكفر ، وهو مذهب جمهور العلماء . 
وقد حكي في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة ، حتى حكوه عن الإمام مالك ،  وفي صحته عنه نظر . 
[ وقد روى ابن جرير  في كتاب النكاح له وجمعه عن يونس بن عبد الأحوص بن وهب  إباحته ] . 
قال  الطحاوي   : روى أصبغ بن الفرج  ، عن عبد الرحمن بن القاسم  قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال . يعني وطء المرأة في دبرها ، ثم قرأ : ( نساؤكم حرث لكم   ) ثم قال : فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية  الطحاوي   . 
وقد روى  الحاكم ،   والدارقطني ،   والخطيب البغدادي  ، عن الإمام مالك  من طرق ما يقتضي  [ ص: 599 ] إباحة ذلك . ولكن في الأسانيد ضعف شديد ، وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي  في جزء جمعه في ذلك ، فالله أعلم . 
وقال  الطحاوي   : حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم  أنه سمع  الشافعي  يقول : ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء . والقياس أنه حلال . وقد روى ذلكأبو بكر الخطيب ،  عن أبي سعيد الصيرفي ،  عن  أبي العباس الأصم ،  سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ،  سمعت  الشافعي  يقول . . . فذكر . قال  أبو نصر الصباغ   : كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو : لقد كذب يعني ابن عبد الحكم  على  الشافعي  في ذلك فإن  الشافعي  نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه ، والله أعلم . 
وقال القرطبي  في تفسيره : وممن ينسب إليه هذا القول وهو إباحة وطء المرأة في دبرها  سعيد بن المسيب  ونافع   وابن عمر   ومحمد بن كعب القرظي   وعبد الملك بن الماجشون   . وهذا القول في العتبية . وحكى ذلك عن مالك  في كتاب له أسماه كتاب السر ، وحذاق أصحاب مالك  ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ،  ومالك  أجل من أن يكون له كتاب السر ووقع هذا القول في العتبية ، وذكر  ابن العربي  أن ابن شعبان  أسند هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك  من رواية كثيرة من كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن هذا لفظه قال : وحكى الكيا الهراسي الطبري  عن  محمد بن كعب القرظي  أنه استدل على جواز ذلك بقوله : ( أتأتون الذكران من العالمين  وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون   ) الشعراء : [ 165 ، 166 ] . 
يعني مثله من المباح ثم رده بأن المراد بذلك من خلق الله لهم من فروج النساء لا أدبارهن . قلت : وهذا هو الصواب وما قاله القرظي  إن كان صحيحا إليه فخطأ . وقد صنف الناس في هذه المسألة مصنفات منهم أبو العباس القرطبي  وسمى كتابه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار . 
وقوله تعالى : ( وقدموا لأنفسكم   ) أي : من فعل الطاعات ، مع امتثال ما نهاكم عنه من ترك المحرمات ; ولهذا قال : ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه   ) أي : فيحاسبكم على أعمالكم جميعا . 
( وبشر المؤمنين   ) أي : المطيعين لله فيما أمرهم ، التاركين ما عنه زجرهم . 
وقال ابن جرير   : حدثنا القاسم ،  حدثنا حسين ،  حدثني محمد بن كثير  ، عن عبد الله بن واقد ،  عن عطاء  قال : أراه عن ابن عباس   : ( وقدموا لأنفسكم   ) قال : يقول : " باسم الله " ، التسمية عند الجماع   . 
وقد ثبت في صحيح  البخاري ،  عن ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا "  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					