[ ص: 256 ]  ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا    ( 10 ) وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا   ( 11 ) إن لدينا أنكالا وجحيما   ( 12 ) وطعاما ذا غصة وعذابا أليما   ( 13 ) يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا   ( 14 ) إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا   ( 15 ) فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا   ( 16 ) فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا   ( 17 ) السماء منفطر به كان وعده مفعولا   ( 18 ) ) 
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه ، وأن يهجرهم هجرا جميلا ؛ وهو الذي لا عتاب معه . ثم قال له متوعدا لكفار قومه ومتهددا - وهو العظيم الذي لا يقوم لغضبه شيء - : 
( وذرني والمكذبين أولي النعمة   ) أي : دعني والمكذبين المترفين أصحاب الأموال ، فإنهم على الطاعة أقدر من غيرهم وهم يطالبون من الحقوق بما ليس عند غيرهم ، ( ومهلهم قليلا ) أي : رويدا ، كما قال : ( نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ   ) [ لقمان : 24 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( إن لدينا أنكالا ) وهي : القيود . قاله ابن عباس  وعكرمة  ،  وطاوس  ،  ومحمد بن كعب  ،  وعبد الله بن بريدة  ،  وأبو عمران الجوني  ، وأبو مجلز  ، والضحاك  ،  وحماد بن أبي سلمان  ، وقتادة  ،  والسدي  ،  وابن المبارك  ،  والثوري  ، وغير واحد . ) وجحيما ) وهي السعير المضطرمة . 
( وطعاما ذا غصة ) قال ابن عباس   : ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج . 
( وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال   ) أي : تزلزل ، ( وكانت الجبال كثيبا مهيلا   ) أي : تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء ، ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب ، حتى تصير الأرض قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ، أي : واديا ، ولا أمتا ، أي : رابية ، ومعناه : لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع . 
ثم قال مخاطبا لكفار قريش ،  والمراد سائر الناس : ( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم   ) أي : بأعمالكم ، ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا   ) قال ابن عباس  ، ومجاهد  ، وقتادة  ،  والسدي  ،  والثوري   : ( أخذا وبيلا ) أي : شديدا ، أي فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول ، فيصيبكم ما أصاب فرعون ، حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ، كما قال تعالى : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) [ النازعات : 25 ] وأنتم أولى بالهلاك والدمار إن كذبتم ; لأن رسولكم أشرف وأعظم من موسى بن عمران   . ويروى عن ابن عباس  ومجاهد   . 
وقوله : ( فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا    ) يحتمل أن يكون ) يوما ) معمولا لتتقون ، كما حكاه ابن جرير  عن قراءة ابن مسعود   : " فكيف تخافون أيها الناس يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم بالله ولم تصدقوا به " ؟ ويحتمل أن يكون معمولا لكفرتم ، فعلى الأول : كيف  [ ص: 257 ] يحصل لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم ؟ وعلى الثاني : كيف يحصل لكم تقوى إن كفرتم يوم القيامة وجحدتموه ؟ وكلاهما معنى حسن ، ولكن الأول أولى ، والله أعلم . 
ومعنى قوله : ( يوما يجعل الولدان شيبا   ) أي : من شدة أهواله وزلازله وبلابله ، وذلك حين يقول الله لآدم : ابعث بعث النار ، فيقول من كم ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة . 
قال  الطبراني   : حدثنا  يحيى بن أيوب العلاف  ، حدثنا  سعيد بن أبي مريم  ، حدثنا نافع بن يزيد  ، حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني  ، عن أبيه ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : ( يوما يجعل الولدان شيبا   ) قال : " ذلك يوم القيامة ، وذلك يوم يقول الله لآدم   : قم فابعث من ذريتك بعثا إلى النار . قال : من كم يا رب ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ، وينجو واحد " ، فاشتد ذلك على المسلمين ، وعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال حين أبصر ذلك في وجوههم : " إن بني آدم  كثير ، وإن يأجوج ومأجوج  من ولد آدم  وإنه لا يموت منهم رجل حتى يرثه لصلبه ألف رجل ، ففيهم وفي أشباههم جنة لكم " . 
هذا حديث غريب ، وقد تقدم في أول سورة الحج ذكر هذه الأحاديث . 
وقوله : ( السماء منفطر به   ) قال الحسن  وقتادة   : أي بسببه من شدته وهوله . ومنهم من يعيد الضمير على الله عز وجل . وروي عن ابن عباس  ومجاهد  وليس بقوي ; لأنه لم يجر له ذكر هاهنا . 
وقوله تعالى : ( كان وعده مفعولا   ) أي : كان وعد هذا اليوم مفعولا أي واقعا لا محالة ، وكائنا لا محيد عنه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					