[ ص: 465 ] تفسير سورة العاديات وهي مكية . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( والعاديات ضبحا    ( 1 ) فالموريات قدحا   ( 2 ) فالمغيرات صبحا   ( 3 ) فأثرن به نقعا   ( 4 ) فوسطن به جمعا   ( 5 ) إن الإنسان لربه لكنود   ( 6 ) وإنه على ذلك لشهيد   ( 7 ) وإنه لحب الخير لشديد   ( 8 ) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور   ( 9 ) وحصل ما في الصدور   ( 10 ) إن ربهم بهم يومئذ لخبير   ( 11 ) ) 
يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت وضبحت ، وهو : الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو . ( فالموريات قدحا   ) يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار . 
( فالمغيرات صبحا   ) يعني : الإغارة وقت الصباح ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويتسمع أذانا ، فإن سمع وإلا أغار . 
[ وقوله ] ( فأثرن به نقعا   ) يعني : غبارا في [ مكان ] معترك الخيول . 
( فوسطن به جمعا   ) أي : توسطن ذلك المكان كلهن جمع . 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو سعيد الأشج  ، حدثنا عبدة  ، عن الأعمش  ، عن إبراهيم  عن عبد الله   : ( والعاديات ضبحا   ) قال : الإبل  . 
وقال علي   : هي الإبل . وقال ابن عباس   : هي الخيل . فبلغ عليا  قول ابن عباس  ، فقال : ما كانت لنا خيل يوم بدر . قال ابن عباس   : إنما كان ذلك في سرية بعثت . 
قال ابن أبي حاتم   وابن جرير   : حدثنا يونس  ، أخبرنا ابن وهب  ، أخبرني أبو صخر  ، عن أبي معاوية البجلي  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  حدثه ، قال : بينا أنا في الحجر جالسا ، جاءني رجل فسألني عن : ( والعاديات ضبحا   ) فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم . فانفتل عني فذهب إلى علي  رضي الله عنه ، وهو عند سقاية زمزم  فسأله عن ( والعاديات ضبحا   ) فقال : سألت عنها أحدا قبلي ؟ قال : نعم ، سألت ابن عباس  فقال : الخيل حين تغير في سبيل الله . قال : اذهب فادعه لي . فلما وقف على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك ، والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر ، وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير  وفرس  للمقداد  ، فكيف تكون العاديات ضبحا ؟ إنما العاديات ضبحا من عرفة  [ ص: 466 ] إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى . 
قال ابن عباس   : فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي  رضي الله عنه  . 
وبهذا الإسناد عن ابن عباس  قال : قال علي   : إنما ( والعاديات ضبحا   ) من عرفة إلى المزدلفة ، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران  . 
وقال العوفي  ، عن ابن عباس   : هي الخيل . 
وقد قال بقول علي   : إنها الإبل جماعة . منهم : إبراهيم   وعبيد بن عمير  وبقول ابن عباس  آخرون ، منهم : مجاهد  ، وعكرمة  ،  وعطاء  ، وقتادة  ، والضحاك   . واختاره ابن جرير   . 
قال ابن عباس   وعطاء   : ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب . 
وقال  ابن جريج  ، عن عطاء   : سمعت ابن عباس  يصف الضبح : أح أح . 
وقال أكثر هؤلاء في قوله : ( فالموريات قدحا   ) يعني : بحوافرها . وقيل : أسعرن الحرب بين ركبانهن . قاله قتادة   . 
وعن ابن عباس  ومجاهد   : ( فالموريات قدحا   ) يعني : مكر الرجال  . 
وقيل : هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل . 
وقيل : المراد بذلك : نيران القبائل . 
وقال من فسرها بالخيل : هو إيقاد النار بالمزدلفة . 
وقال ابن جرير   : والصواب الأول ; أنها الخيل حين تقدح بحوافرها . 
وقوله ( فالمغيرات صبحا   ) قال ابن عباس  ومجاهد  وقتادة   : يعني إغارة الخيل صبحا في سبيل الله  . 
وقال من فسرها بالإبل : هو الدفع صبحا من المزدلفة إلى منى . 
وقالوا كلهم في قوله : ( فأثرن به نقعا   ) هو : المكان الذي إذا حلت فيه أثارت به الغبار ، إما في حج أو غزو . 
وقوله : ( فوسطن به جمعا   ) قال العوفي  ، عن ابن عباس  ،  وعطاء  ، وعكرمة  ، وقتادة  ، والضحاك   : يعني جمع الكفار من العدو  . 
ويحتمل أن يكون : فوسطن بذلك المكان جميعهن ، ويكون ( جمعا   ) منصوبا على الحال المؤكدة . 
وقد روى  أبو بكر البزار  هاهنا حديثا [ غريبا جدا ] فقال : حدثنا أحمد بن عبدة  ، حدثنا حفص بن جميع  ، حدثنا سماك  ، عن عكرمة  عن ابن عباس  قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا  [ ص: 467 ] فأشهرت شهرا لا يأتيه منها خبر ، فنزلت : ( والعاديات ضبحا   ) ضبحت بأرجلها ( فالموريات قدحا   ) قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارا ( فالمغيرات صبحا   ) صبحت القوم بغارة ( فأثرن به نقعا   ) أثارت بحوافرها التراب ( فوسطن به جمعا   ) قال : صبحت القوم جميعا  . 
وقوله : ( إن الإنسان لربه لكنود   ) هذا هو المقسم عليه ، بمعنى : أنه لنعم ربه لجحود كفور   . 
قال ابن عباس  ، ومجاهد  ،  وإبراهيم النخعي  ، وأبو الجوزاء  ،  وأبو العالية  ، وأبو الضحى  ،  وسعيد بن جبير  ، ومحمد بن قيس  ، والضحاك  ، والحسن  ، وقتادة  ،  والربيع بن أنس  ، وابن زيد   : الكنود : الكفور . قال الحسن   : هو الذي يعد المصائب ، وينسى نعم ربه . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو كريب  ، حدثنا عبيد الله  ، عن إسرائيل  ، عن جعفر بن الزبير  ، عن القاسم  ، عن أبي أمامة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الإنسان لربه لكنود   ) قال : " الكفور الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده "  . 
ورواه ابن أبي حاتم  ، من طريق جعفر بن الزبير   - وهو متروك - فهذا إسناد ضعيف . وقد رواه ابن جرير  أيضا من حديث حريز بن عثمان  ، عن حمزة بن هانئ  ، عن أبي أمامة  موقوفا . 
وقوله : ( وإنه على ذلك لشهيد   ) قال قتادة   وسفيان الثوري   : وإن الله على ذلك لشهيد  . ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان ، قاله  محمد بن كعب القرظي  ، فيكون تقديره : وإن الإنسان على كونه كنودا لشهيد ، أي : بلسان حاله ، أي : ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله ، كما قال تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر   ) [ التوبة : 17 ] 
وقوله : ( وإنه لحب الخير لشديد   ) أي : وإنه لحب الخير - وهو : المال - لشديد . وفيه مذهبان : 
أحدهما : أن المعنى : وإنه لشديد المحبة للمال . 
والثاني : وإنه لحريص بخيل ; من محبة المال . وكلاهما صحيح . 
ثم قال تعالى مزهدا في الدنيا ، ومرغبا في الآخرة ، ومنبها على ما هو كائن بعد هذه الحال ، وما يستقبله الإنسان من الأهوال : ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور   ) أي : أخرج ما فيها من الأموات  ( وحصل ما في الصدور   ) قال ابن عباس  وغيره : يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم ( إن ربهم بهم يومئذ لخبير   ) أي : لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ، مجازيهم عليه أوفر الجزاء ، ولا يظلم مثقال ذرة  . آخر [ تفسير ] سورة " والعاديات " ولله الحمد [ والمنة ، وحسبنا الله ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					