( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم  من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا   ( 47 ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما   ( 48 ) ) 
يقول تعالى - آمرا أهل الكتاب  بالإيمان بما نزل على عبده ورسوله محمد  صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ، ومتهددا لهم أن يفعلوا ، بقوله : ( من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها   ) قال بعضهم : معناه : من قبل أن نطمس وجوها . طمسها هو ردها إلى الأدبار ، وجعل أبصارهم من ورائهم . ويحتمل أن يكون المراد : من قبل أن نطمس وجوها فلا يبقى لها سمع ولا بصر ولا أثر ، ونردها مع ذلك إلى ناحية الأدبار . 
قال العوفي  عن ابن عباس   : ( من قبل أن نطمس وجوها   ) وطمسها أن تعمى ( فنردها على أدبارها   ) يقول : نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم ، فيمشون القهقرى ، ونجعل لأحدهم عينين من قفاه . 
وكذا قال قتادة ،   وعطية العوفي   . وهذا أبلغ في العقوبة والنكال ، وهذا مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبل الضلالة يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم ، وهذا كما قال بعضهم في قوله : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون . وجعلنا من بين أيديهم سدا   ) [ ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون   ] ) [ يس 8 ، 9 ] إن هذا مثل [ سوء ] ضربه الله لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى .  [ ص: 325 ] 
قال مجاهد   : ( من قبل أن نطمس وجوها   ) يقول : عن صراط الحق ، ( فنردها على أدبارها   ) أي : في الضلالة . 
قال ابن أبي حاتم   : وروي عن ابن عباس  ، والحسن  نحو هذا . 
قال  السدي   : ( فنردها على أدبارها   ) فنمنعها عن الحق ، قال : نرجعها كفارا ونردهم قردة . 
وقال ابن زيد  نردهم إلى بلاد الشام  من أرض الحجاز   . 
وقد ذكر أن كعب الأحبار  أسلم حين سمع هذه الآية ، قال ابن جرير   : 
حدثنا أبو كريب  ، حدثنا جابر بن نوح  ، عن عيسى بن المغيرة  قال : تذاكرنا عند إبراهيم  إسلام كعب ،  فقال : أسلم كعب  زمان عمر ،  أقبل وهو يريد بيت المقدس ،  فمر على المدينة ،  فخرج إليه عمر  فقال : يا كعب ،  أسلم ، قال : ألستم تقرؤون في كتابكم ( مثل الذين حملوا التوراة [ ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل ] أسفارا   ) وأنا قد حملت التوراة . قال : فتركه عمر   . ثم خرج حتى انتهى إلى حمص ،  فسمع رجلا من أهلها حزينا ، وهو يقول : ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها  ) الآية . قال كعب   : يا رب آمنت ، يا رب ، أسلمت ، مخافة أن تصيبه هذه الآية ، ثم رجع فأتى أهله في اليمن ،  ثم جاء بهم مسلمين . 
وقد رواه ابن أبي حاتم  من وجه آخر بلفظ آخر ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل  ، حدثنا عمرو بن واقد  ، عن يونس بن حلبس  عن  أبي إدريس عائذ الله الخولاني  قال : كان أبو مسلم الجليلي معلم كعب  ، وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبعثه إليه لينظر أهو هو ؟ قال كعب : فركبت حتى أتيت المدينة ،  فإذا تال يقرأ القرآن ، يقول : ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها  ) فبادرت الماء فاغتسلت وإني لأمسح وجهي مخافة أن أطمس ، ثم أسلمت . 
وقوله : ( أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت   ) يعني : الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد ، وقد مسخوا قردة وخنازير ، وسيأتي بسط قصتهم في سورة الأعراف . 
وقوله : ( وكان أمر الله مفعولا   ) أي : إذا أمر بأمر ، فإنه لا يخالف ولا يمانع . 
ثم أخبر تعالى : أنه ( لا يغفر أن يشرك به   ) أي : لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به ( ويغفر ما دون ذلك   ) أي : من الذنوب ( لمن يشاء   ) أي : من عباده . 
وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة ، فلنذكر منها ما تيسر :  [ ص: 326 ] 
الحديث الأول : قال  الإمام أحمد   : حدثنا يزيد ،  أخبرنا صدقة بن موسى  ، حدثنا أبو عمران الجوني  ، عن يزيد بن بابنوس  عن عائشة  قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدواوين عند الله ثلاثة ; ديوان لا يعبأ الله به شيئا ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وديوان لا يغفره الله . فأما الديوان الذي لا يغفره الله ، فالشرك بالله ، قال الله عز وجل : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة   ) [ المائدة : 72 ] وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا ، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه ، من صوم يوم تركه ، أو صلاة تركها ; فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء . وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا ، فظلم العباد بعضهم بعضا ; القصاص لا محالة  " . 
تفرد به أحمد   . 
الحديث الثاني : قال  الحافظ أبو بكر البزار  في : حدثنا أحمد بن مالك  ، حدثنا زائدة بن أبي الرقاد  ، عن زياد النميري  ، عن أنس بن مالك  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الظلم ثلاثة ، فظلم لا يغفره الله ، وظلم يغفره الله ، وظلم لا يتركه الله : فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك ، وقال ( إن الشرك لظلم عظيم   ) [ لقمان : 13 ] وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم ، وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضا ، حتى يدين لبعضهم من بعض  " . 
الحديث الثالث : قال  الإمام أحمد   : حدثنا صفوان بن عيسى  ، حدثنا  ثور بن يزيد  ، عن أبي عون  ، عن أبي إدريس  قال : سمعت معاوية  يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا الرجل يموت كافرا ، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا  " . 
رواه  النسائي ،  عن  محمد بن مثنى  ، عن صفوان بن عيسى  ، به . 
الحديث الرابع : قال  الإمام أحمد   : حدثنا  هاشم بن القاسم  ، حدثنا عبد الحميد  ، حدثنا شهر ،  حدثنا ابن غنم  أن أبا ذر  حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " إن الله يقول : يا عبدي ، ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك ، يا عبدي ، إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي ، لقيتك بقرابها مغفرة  " . 
تفرد به أحمد  من هذا الوجه  [ ص: 327 ]  . 
الحديث الخامس : قال  الإمام أحمد   : حدثنا عبد الصمد  ، حدثنا أبي ، حدثنا حسين ،  عن ابن بريدة  أن  يحيى بن يعمر  حدثه ، أن  أبا الأسود الديلي  حدثه ، أن أبا ذر  حدثه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما من عبد قال : لا إله إلا الله . ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : " وإن زنى وإن سرق " قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : " وإن زنى وإن سرق " . ثلاثا ، ثم قال في الرابعة : " على رغم أنف أبي ذر   " ! قال : فخرج أبو ذر  وهو يجر إزاره وهو يقول : وإن رغم أنف أبي ذر   " . وكان أبو ذر  يحدث بهذا بعد ويقول : وإن رغم أنف أبي ذر   . 
أخرجاه من حديث حسين ،  به . 
طريق أخرى عنه : قال  [ الإمام ] أحمد   : حدثنا أبو معاوية  ، حدثنا الأعمش ،  عن  زيد بن وهب  ، عن أبي ذر  قال : " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة  عشاء ، ونحن ننظر إلى أحد ، فقال : " يا أبا ذر   " . فقلت : لبيك يا رسول الله ، [ قال ] ما أحب أن لي أحدا ذاك عندي ذهبا أمسي ثالثة وعندي منه دينار ، إلا دينارا أرصده - يعني لدين - إلا أن أقول به في عباد الله هكذا " . وحثا عن يمينه وبين يديه وعن يساره . قال : ثم مشينا فقال : " يا أبا ذر ،  إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا " . فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره . قال : ثم مشينا فقال : " يا أبا ذر  ، كما أنت حتى آتيك " . قال : فانطلق حتى توارى عني . قال : فسمعت لغطا فقلت : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض له . قال فهممت أن أتبعه ، ثم ذكرت قوله : " لا تبرح حتى آتيك " فانتظرته حتى جاء ، فذكرت له الذي سمعت ، فقال : " ذاك جبريل  أتاني فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : " وإن زنى وإن سرق  " . 
أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش ،  به . 
وقد رواه  البخاري  ومسلم  أيضا كلاهما ، عن قتيبة ،  عن جرير بن عبد الحميد  ، عن عبد العزيز بن رفيع  ، عن  زيد بن وهب  ، عن أبي ذر  قال : خرجت ليلة من الليالي ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده ، ليس معه إنسان ، قال : فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد . قال : فجعلت أمشي في ظل القمر ، فالتفت فرآني ، فقال : " من هذا ؟ " فقلت : أبو ذر ، جعلني الله فداك . قال : " يا أبا ذر  ، تعال " . قال : فمشيت معه ساعة فقال : " إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح فيه عن يمينه وشماله ، وبين يديه وورائه ، وعمل فيه خيرا " . قال : فمشيت معه ساعة فقال لي : " اجلس هاهنا " ، قال : فأجلسني في قاع حوله حجارة ، فقال لي : " اجلس هاهنا حتى أرجع إليك " . قال : فانطلق في الحرة  حتى لا أراه ، فلبث عني فأطال اللبث ، ثم إني سمعته وهو مقبل ، وهو يقول : " وإن سرق وإن زنى " . قال : فلما جاء لم أصبر حتى قلت : يا نبي الله ، جعلني الله فداءك ، من تكلم  [ ص: 328 ] في جانب الحرة ؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا . قال : " ذاك جبريل ،  عرض لي من جانب الحرة فقال : بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة . قلت : يا جبريل ،  وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم قلت : وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم . قلت : وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم ، وإن شرب الخمر  " . 
الحديث السادس : قال عبد بن حميد  في : أخبرنا  عبيد الله بن موسى  ، عن  ابن أبي ليلى  ، عن  أبي الزبير  ، عن جابر  قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما الموجبتان ؟ قال : " من مات لا يشرك بالله شيئا وجبت له الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا وجبت له النار  " . وذكر تمام الحديث . تفرد به من هذا الوجه . 
طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن عمرو بن خلاد الحراني  ، حدثنا منصور بن إسماعيل القرشي  ، حدثنا موسى بن عبيدة ، الربذي  ، أخبر عبد الله بن عبيدة  ، عن  جابر بن عبد الله  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من نفس تموت ، لا تشرك بالله شيئا ، إلا حلت لها المغفرة ، إن شاء الله عذبها ، وإن شاء غفر لها : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء   ) . 
ورواه  الحافظ أبو يعلى  في ، من حديث موسى بن عبيدة  ، عن أخيه عبد الله بن عبيدة  ، عن جابر ;  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب " . قيل : يا نبي الله ، وما الحجاب ؟ قال : " الإشراك بالله " . قال : " ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئا إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى ، إن يشأ أن يعذبها ، وإن يشأ أن يغفر لها غفر لها " . ثم قرأ نبي الله : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء   )  . 
الحديث السابع : قال  الإمام أحمد   : حدثنا أبو نعيم  ، حدثنا زكريا ،  عن عطية ،  عن  أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة "  . 
تفرد به من هذا الوجه . 
الحديث الثامن : قال  الإمام أحمد   : حدثنا حسن بن موسى  ، حدثنا ابن لهيعة  ، حدثنا أبو قبيل  ، عن عبد الله بن ناشر من بني سريع   قال : سمعت أبا رهم  قاص أهل الشام   يقول : سمعت أبا أيوب الأنصاري  يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم إليهم ، فقال لهم : " إن ربكم ، عز وجل ، خيرني  [ ص: 329 ] بين سبعين ألفا يدخلون الجنة عفوا بغير حساب ، وبين الخبيئة عنده لأمتي " . فقال له بعض أصحابه : يا رسول الله ، أيخبئ ذلك ربك ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وهو يكبر ، فقال : " إن ربي زادني مع كل ألف سبعين ألفا والخبيئة عنده " قال أبو رهم   : يا أبا أيوب  ، وما تظن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأكله الناس بأفواههم فقالوا : وما أنت وخبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فقال أبو أيوب   : دعوا الرجل عنكم ، أخبركم عن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أظن ، بل كالمستيقن . إن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله مصدقا لسانه قلبه أدخله الجنة  " . 
الحديث التاسع : قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني  ، حدثنا عيسى بن يونس   ( ح ) وأخبرنا هاشم بن القاسم الحراني   - فيما كتب إلي - قال : حدثنا عيسى بن يونس  نفسه ، عن واصل بن السائب الرقاشي  ، عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب  ، عن  أبي أيوب الأنصاري  قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام . قال : " وما دينه ؟ " قال : يصلي ويوحد الله تعالى . قال " استوهب منه دينه ، فإن أبى فابتعه منه " . فطلب الرجل ذاك منه فأبى عليه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : وجدته شحيحا في دينه . قال : فنزلت : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء   ) . 
الحديث العاشر : قال  الحافظ أبو يعلى   : حدثنا عمرو بن الضحاك  ، حدثنا أبي ، حدثنا مستور أبو همام الهنائي  ، حدثنا ثابت  عن أنس  قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما تركت حاجة ولا ذا حاجة إلا قد أتيت . قال : " أليس تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ " ثلاث مرات . قال : نعم . قال : " فإن ذلك يأتي على ذلك كله "  . 
الحديث الحادي عشر : قال  الإمام أحمد   : حدثنا أبو عامر  ، حدثنا  عكرمة بن عمار  ، عن ضمضم بن جوس اليمامي  قال : قال لي  أبو هريرة   : يا يمامي لا تقولن لرجل : والله لا يغفر الله لك . أو لا يدخلك الجنة أبدا . قلت : يا أبا هريرة إن هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب قال : لا تقلها ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كان في بني إسرائيل رجلان كان أحدهما مجتهدا في العبادة ، وكان الآخر مسرفا على نفسه ، وكانا متآخيين وكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب ، فيقول : يا هذا أقصر . فيقول : خلني وربي ! أبعثت علي رقيبا ؟ قال : إلى أن رآه يوما على ذنب استعظمه ، فقال له : ويحك ! أقصر ! قال : خلني وربي ! أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله  [ ص: 330 ] لا يغفر الله لك - أو لا يدخلك الجنة أبدا - قال : فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما واجتمعا عنده ، فقال للمذنب : اذهب فادخل الجنة برحمتي . وقال للآخر : أكنت بي عالما ؟ أكنت على ما في يدي قادرا ؟ اذهبوا به إلى النار . قال : فوالذي نفس أبي القاسم  بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته  " . 
ورواه أبو داود  ، من حديث  عكرمة بن عمار  ، حدثني ضمضم بن جوس  ، به . 
الحديث الثاني عشر : قال  الطبراني   : حدثنا أبو شيخ  عن محمد بن الحسن بن عجلان الأصبهاني  ، حدثنا سلمة بن شبيب  ، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان  ، عن أبيه ، عن عكرمة ،  عن ابن عباس  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ، ما لم يشرك بي شيئا "  . 
الحديث الثالث عشر : قال  الحافظ أبو بكر البزار  والحافظ أبو يعلى [ الموصلي ]  حدثنا هدبة   - هو ابن خالد   - حدثنا سهيل بن أبي حزم  ، عن ثابت ،  عن أنس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له ، ومن توعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار " . تفردا به . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا بحر بن نصر الخولاني  ، حدثنا  خالد - يعني ابن عبد الرحمن الخراساني   - حدثنا الهيثم بن جماز  عن  سلام بن أبي مطيع  ، عن  بكر بن عبد الله المزني  ، عن ابن عمر  قال : كنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس ، وآكل مال اليتيم ، وقاذف المحصنات ، وشاهد الزور ، حتى نزلت هذه الآية : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء   ) فأمسك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة . 
ورواه ابن جرير  من حديث الهيثم بن حماد  به . 
وقال ابن أبي حاتم  أيضا : حدثنا عبد الملك بن أبي عبد الرحمن المقري  حدثنا عبد الله بن عاصم  ، حدثنا صالح   - يعني المري أبو بشر   - عن أيوب ،  عن نافع ،  عن ابن عمر  قال : كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في الكتاب ، حتى نزلت علينا هذه الآية : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء   ) قال : فلما سمعناها كففنا عن الشهادة ، وأرجينا الأمور إلى الله ، عز وجل  [ ص: 331 ]  . 
وقال البزار   : حدثنا محمد بن عبد الرحيم  ، حدثنا شيبان بن أبي شيبة  ، حدثنا حرب بن سريج  ، عن أيوب ،  عن نافع ،  عن ابن عمر   [ رضي الله عنهما ] قال : كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر ، حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء   ) وقال : " أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة " . 
وقال أبو جعفر الرازي  ، عن الربيع ،  أخبرني مجبر ،  عن عبد الله بن عمر  أنه قال : لما نزلت : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله   ) [ إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم   ] ) [ الزمر : 53 ] ، قام رجل فقال : والشرك بالله يا نبي الله ؟ فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما   ) 
رواه ابن جرير   . وقد رواه ابن مردويه  من طرق عن ابن عمر   . 
وهذه الآية التي في سورة " تنزيل " مشروطة بالتوبة ، فمن تاب من أي ذنب وإن تكرر منه تاب الله عليه ; ولهذا قال : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم   ) [ الزمر : 53 ] أي : بشرط التوبة ، ولو لم يكن كذلك لدخل الشرك فيه ، ولا يصح ذلك ، لأنه تعالى ، قد حكم هاهنا بأنه لا يغفر الشرك ، وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء ، أي : وإن لم يتب صاحبه ، فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه ، والله أعلم . 
وقوله : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما   ) كقوله ( إن الشرك لظلم عظيم   ) [ لقمان : 13 ] ، وثبت في الصحيحين ، عن ابن مسعود  أنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك . . . " وذكر تمام الحديث . 
وقال ابن مردويه   : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد  ، حدثنا أحمد بن عمرو  ، حدثنا إبراهيم بن المنذر  ، حدثنا معن ،  حدثنا  سعيد بن بشير  حدثنا قتادة ،  عن الحسن ،  عن عمران بن حصين   ; أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخبركم بأكبر الكبائر : الشرك بالله " ثم قرأ : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما   ) وعقوق الوالدين " . ثم قرأ : ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير   )  [ ص: 332 ]  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					