[ ص: 412 ] 
( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس  ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما   ( 114 ) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا   ( 115 ) ) 
يقول تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم   ) يعني : كلام الناس ( إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس   ) أي : إلا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه   : 
حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ،  حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث ،  حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس  قال : دخلنا على  سفيان الثوري  نعوده - وأومأ إلى دار العطارين   - فدخل عليه سعيد بن حسان المخزومي  فقال له  سفيان الثوري   : الحديث الذي كنت حدثتني به عن أم صالح  اردده علي . فقال : حدثتني أم صالح ،  عن  صفية بنت شيبة ،  عن أم حبيبة  قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " كلام ابن آدم كله عليه لا له ما خلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر   [ أو ذكر الله عز وجل " ، قال سفيان : فناشدته ] فقال محمد بن يزيد   : ما أشد هذا الحديث ؟ فقال سفيان :  وما شدة هذا الحديث ؟ إنما جاءت به امرأة عن امرأة ، هذا في كتاب الله الذي أرسل به نبيكم صلى الله عليه وسلم أو ما سمعت الله يقول في كتابه : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس   ) فهو هذا بعينه ، أو ما سمعت الله يقول : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا   ) [ النبأ : 38 ] فهو هذا بعينه ، أو ما سمعت الله يقول في كتابه : ( والعصر . إن الإنسان لفي خسر . [ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ]   ) [ سورة العصر ] ، فهو هذا بعينه . 
وقد روى هذا الحديث الترمذي   وابن ماجه  من حديث محمد بن يزيد بن خنيس  عن سعيد بن حسان ،  به . ولم يذكرا أقوال الثوري  إلى آخرها ، ثم قال الترمذي :  غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن خنيس   . 
وقال  الإمام أحمد :  حدثنا يعقوب ،  حدثنا أبي ، حدثنا صالح بن كيسان ،  حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب :  أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف  أخبره ، أن أمه أم كلثوم بنت عقبة   [ ص: 413 ] أخبرته : أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا - أو يقول خيرا " وقالت : لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث : في الحرب ، والإصلاح بين الناس  ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها  . قال : وكانت أم كلثوم بنت عقبة  من المهاجرات اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وقد رواه الجماعة ، سوى ابن ماجه ،  من طرق ، عن الزهري ،  به نحوه . 
قال  الإمام أحمد :  حدثنا أبو معاوية ،  عن الأعمش ،  عن عمرو بن مرة  عن  سالم بن أبي الجعد ،  عن أم الدرداء ،  عن  أبي الدرداء  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة ، والصيام والصدقة ؟ " قالوا : بلى . قال : " إصلاح ذات البين " قال : " وفساد ذات البين هي الحالقة "  . 
ورواه أبو داود   والترمذي ،  من حديث أبي معاوية ،  وقال الترمذي :  حسن صحيح . 
وقال  الحافظ أبو بكر البزار :  حدثنا محمد بن عبد الرحيم ،  حدثنا  سريج بن يونس ،  حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر ،  حدثنا أبي ، عن حميد ،  عن أنس ;  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب   :  " ألا أدلك على تجارة ؟ " قال : بلى : قال : " تسعى في صلح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا " ثم قال البزار   : وعبد الرحمن بن عبد الله العمري  لين ، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها . 
ولهذا قال : ( ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله   ) أي : مخلصا في ذلك محتسبا ثواب ذلك عند الله عز وجل ( فسوف نؤتيه أجرا عظيما   ) أي : ثوابا كثيرا واسعا . 
وقوله : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى   ) أي : ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فصار في شق والشرع في شق ، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له . وقوله : ( ويتبع غير سبيل المؤمنين   ) هذا ملازم للصفة الأولى ، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع ، وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية ، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا ، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ ، تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم  [ ص: 414 ]  [ صلى الله عليه وسلم ] . وقد وردت في ذلك أحاديث صحيحة كثيرة ، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب " أحاديث الأصول " ، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها ، والذي عول عليه  الشافعي ،  رحمه الله ، في الاحتجاج على كون الإجماع حجة  تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة ، بعد التروي والفكر الطويل . وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها ، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك واستبعد الدلالة منها على ذلك . 
ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله : ( نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا   ) أي : إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك ، بأن نحسنها في صدره ونزينها له - استدراجا له - كما قال تعالى : ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون   ) [ القلم : 44 ] . وقال تعالى : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم   ) [ الصف : 5 ] . وقوله ( ونذرهم في طغيانهم يعمهون   ) [ الأنعام : 110 ] . 
وجعل النار مصيره في الآخرة ، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار  يوم القيامة ، كما قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم [ وما كانوا يعبدون . من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ]   ) [ الصافات : 22 ، 23 ] . وقال : ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا   ) [ الكهف : 53 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					