( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون    ( 1 ) هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون   ( 2 ) وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون   ( 3 ) ) 
يقول الله تعالى مادحا نفسه الكريمة ، وحامدا لها على خلقه السموات والأرض قرارا لعباده  [ ص: 239 ] وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم ، فجمع لفظ " الظلمات " ووحد لفظ " النور " ; لكونه أشرف ، كما قال ( عن اليمين والشمائل   ) [ النحل : 48 ] ، وكما قال في آخر هذه السورة ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله   ) [ الأنعام : 153 ] . 
وقوله : ( ثم الذين كفروا بربهم يعدلون   ) أي : ومع هذا كله كفر به بعض عباده ، وجعلوا معه شريكا وعدلا واتخذوا له صاحبة وولدا ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا . 
وقوله : ( هو الذي خلقكم من طين   ) يعني : أباهم آدم  الذي هو أصلهم ومنه خرجوا ، فانتشروا في المشارق والمغارب . 
وقوله : ( ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده   ) قال سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس   : ( ثم قضى أجلا   ) يعني : الموت ( وأجل مسمى عنده   ) يعني : الآخرة . 
وهكذا روي عن مجاهد  وعكرمة   وسعيد بن جبير  والحسن  وقتادة  والضحاك  وزيد بن أسلم  وعطية   والسدي   ومقاتل بن حيان  ، وغيرهم . 
وقول الحسن   - في رواية عنه : ( ثم قضى أجلا   ) قال : ما بين أن يخلق إلى أن يموت ( وأجل مسمى عنده   ) ما بين أن يموت إلى أن يبعث - هو يرجع إلى ما تقدم ، وهو تقدير الأجل الخاص ، وهو عمر كل إنسان ، وتقدير الأجل العام ، وهو عمر الدنيا بكمالها ثم انتهائها وانقضائها وزوالها ، [ وانتقالها ] والمصير إلى الدار الآخرة . 
وعن ابن عباس  ومجاهد   : ( ثم قضى أجلا   ) يعني : مدة الدنيا ( وأجل مسمى عنده   ) يعني : عمر الإنسان إلى حين موته ، وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم [ يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ]   ) الآية [ الأنعام : 60 ] . 
وقال عطية  ، عن ابن عباس   ( ثم قضى أجلا   ) يعني : النوم ، يقبض فيه الروح ، ثم يرجع إلى صاحبه عند اليقظة ( وأجل مسمى عنده   ) يعني : أجل موت الإنسان ، وهذا قول غريب . 
ومعنى قوله : ( عنده ) أي : لا يعلمه إلا هو ، كقوله تعالى : ( إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو   ) [ الأعراف : 187 ] ، وكقوله ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها   ) [ النازعات : 42 - 44 ] . 
وقوله : ( ثم أنتم تمترون   ) قال  السدي  وغيره : يعني تشكون في أمر الساعة . 
وقوله : ( وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون   ) اختلف  [ ص: 240 ] مفسرو هذه الآية على أقوال ، بعد الاتفاق على تخطئة قول الجهمية  الأول القائلين بأنه - تعالى عن قولهم علوا كبيرا - في كل مكان ; حيث حملوا الآية على ذلك ، فأصح الأقوال أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض  ، أي : يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض ، ويسمونه الله ، ويدعونه رغبا ورهبا ، إلا من كفر من الجن والإنس ، وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله   ) [ الزخرف : 84 ] ، أي : هو إله من في السماء وإله من في الأرض ، وعلى هذا فيكون قوله : ( يعلم سركم وجهركم   ) خبرا أو حالا . 
والقول الثاني : أن المراد أن الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض ، من سر وجهر . فيكون قوله : ( يعلم ) متعلقا بقوله : ( في السماوات وفي الأرض   ) تقديره : وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ويعلم ما تكسبون . 
والقول الثالث أن قوله ( وهو الله في السماوات   ) وقف تام ، ثم استأنف الخبر فقال : ( وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون   ) وهذا اختيار ابن جرير . 
وقوله : ( ويعلم ما تكسبون   ) أي : جميع أعمالهم خيرها وشرها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					