( إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء  ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين   ( 40 ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين   ( 41 ) ) . 
قوله : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) قيل : المراد : لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء . 
 [ ص: 412 ] قاله مجاهد ،   وسعيد بن جبير   . ورواه العوفي  وعلي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس   . وكذا رواه الثوري ،  عن ليث ،  عن عطاء ،  عن ابن عباس   . 
وقيل : المراد : لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء . 
رواه الضحاك ،  عن ابن عباس   . وقاله  السدي  وغير واحد ، ويؤيده ما قال ابن جرير   : حدثنا أبو كريب  ، حدثنا أبو بكر بن عياش  ، عن الأعمش ،  عن  المنهال - هو ابن عمرو   - عن زاذان  ، عن البراء;  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر ، وأنه يصعد بها إلى السماء ، قال : " فيصعدون بها ، فلا تمر على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون : فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء ، فيستفتحون بابها له فلا يفتح له " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط   ) الآية . 
هكذا رواه ، وهو قطعة من حديث طويل رواه أبو داود   والنسائي   وابن ماجه  ، من طرق ، عن  المنهال بن عمرو  ، به وقد رواه  الإمام أحمد  بطوله فقال : 
حدثنا أبو معاوية  ، حدثنا الأعمش  عن منهال بن عمرو  ، عن زاذان ،  عن  البراء بن عازب  رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد . فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه فقال : " استعيذوا بالله من عذاب القبر " مرتين أو ثلاثا ثم قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال إلى الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد بصره . ثم يجيء ملك الموت ، حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان " 
قال : " فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط . ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض . فيصعدون بها فلا يمرون - يعني - بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون : فلان ابن فلان ، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ، فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله ، عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى " 
 [ ص: 413 ] قال : " فتعاد روحه ، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : ربي الله . فيقولان له : ما دينك؟ فيقول : ديني الإسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقولان له : وما علمك؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت . فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة " " فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره " 
قال : " ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له : من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير . فيقول : أنا عملك الصالح . فيقول : رب أقم الساعة ، رب أقم الساعة ، حتى أرجع إلى أهلي ومالي " 
قال : " وإن العبد الكافر ، إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط الله وغضب " قال : " فتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض . فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون : فلان ابن فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له ، فلا يفتح ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط   ) فيقول الله ، عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى . فتطرح روحه طرحا " ثم قرأ : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق   ) [ الحج : 31 ] " فتعاد روحه في جسده . ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : هاه هاه ! لا أدري . فيقولان : ما دينك؟ فيقول : هاه هاه ! لا أدري ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هاه هاه ! لا أدري . فينادي مناد من السماء : أن كذب ، فأفرشوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار . فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك; هذا يومك الذي كنت توعد فيقول : من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر . فيقول : أنا عملك الخبيث . فيقول : رب لا تقم الساعة  " 
 [ ص: 414 ] وقال أحمد  أيضا : حدثنا عبد الرزاق  ، حدثنا معمر ،  عن  يونس بن خباب  ، عن  المنهال بن عمرو  ، عن زاذان ،  عن  البراء بن عازب  قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة ، فذكر نحوه . 
وفيه : " حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ، عز وجل ، أن يعرج بروحه من قبلهم  " 
وفي آخره :  " ثم يقيض له أعمى أصم أبكم ، في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا ، فيضربه ضربة فيصير ترابا ، ثم يعيده الله ، عز وجل ، كما كان ، فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين  " قال البراء   : " ثم يفتح له باب من النار ، ويمهد له فرش من النار  " 
وفي الحديث الذي رواه  الإمام أحمد  ،  والنسائي ،   وابن ماجه   وابن جرير   - واللفظ له - من حديث محمد بن عمرو بن عطاء  ، عن  سعيد بن يسار  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فيقولون ذلك حتى يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقولون : من هذا؟ فيقولون : فلان . فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فيقال لها ذلك حتى ينتهى به إلى السماء التي فيها الله ، عز وجل . وإذا كان الرجل السوء قالوا : اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فيقولون ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها ، فيقال : من هذا؟ فيقولون : فلان . فيقولون : لا مرحبا بالنفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء ، فترسل بين السماء والأرض ، فتصير إلى القبر  " 
وقد قال  ابن جريج  في قوله : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) قال : لا تفتح لأعمالهم ، ولا لأرواحهم  . 
وهذا فيه جمع بين القولين ، والله أعلم . 
وقوله : ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط   ) هكذا قرأه الجمهور ، وفسروه بأنه البعير . قال ابن مسعود   : هو الجمل ابن الناقة . وفي رواية : زوج الناقة . وقال  الحسن البصري   : حتى يدخل البعير في خرق الإبرة . وكذا قال أبو العالية  ، والضحاك   . وكذا روى علي بن أبي طلحة  ، والعوفي  عن ابن عباس   . 
 [ ص: 415 ] وقال مجاهد ،  وعكرمة ،  عن ابن عباس   : أنه كان يقرؤها : " حتى يلج الجمل في سم الخياط " بضم الجيم ، وتشديد الميم ، يعني : الحبل الغليظ في خرم الإبرة . 
وهذا اختيار سعيد بن جبير   . وفي رواية أنه قرأ : " حتى يلج الجمل " يعني : قلوس السفن ، وهي الحبال الغلاظ . 
وقوله : ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش   ) قال  محمد بن كعب القرظي   : ( لهم من جهنم مهاد   ) قال : الفرش ، ( ومن فوقهم غواش   ) قال : اللحف  . 
وكذا قال الضحاك بن مزاحم  ،  والسدي ،   ( وكذلك نجزي الظالمين   ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					