( وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم  ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون   ( 46 ) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين   ( 47 ) ) 
لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار ، نبه أن بين الجنة والنار حجابا ، وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة . 
قال ابن جرير   : وهو السور الذي قال الله تعالى : ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب   ) [ الحديد : 13 ] وهو الأعراف الذي قال الله تعالى : ( وعلى الأعراف رجال   ) . 
ثم روى بإسناده عن  السدي  أنه قال في قوله تعالى ( وبينهما حجاب   ) وهو " السور " ، وهو " الأعراف  " 
 [ ص: 418 ] وقال مجاهد   : الأعراف : حجاب بين الجنة والنار ، سور له باب  . قال ابن جرير   : والأعراف جمع " عرف " ، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى " عرفا " ، وإنما قيل لعرف الديك عرفا لارتفاعه  . 
وحدثنا سفيان بن وكيع  ، حدثنا ابن عيينة  ، عن عبيد الله بن أبي يزيد  ، سمع ابن عباس  يقول : الأعراف هو الشيء المشرف  . 
وقال الثوري ،  عن جابر ،  عن مجاهد ،  عن ابن عباس  قال : الأعراف : سور كعرف الديك  . 
وفي رواية عن ابن عباس   : الأعراف ، تل بين الجنة والنار ، حبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار . وفي رواية عنه : هو سور بين الجنة والنار  . وكذلك قال الضحاك  وغير واحد من علماء التفسير . 
وقال  السدي   : إنما سمي " الأعراف " أعرافا; لأن أصحابه يعرفون الناس  . 
واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم ، وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد ، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم . نص عليه حذيفة ،   وابن عباس  ،  وابن مسعود  ، وغير واحد من السلف والخلف ، رحمهم الله . وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه   : 
حدثنا عبد الله بن إسماعيل  ، حدثنا عبيد بن الحسين  ، حدثنا سليمان بن داود  ، حدثنا النعمان بن عبد السلام  ، حدثنا شيخ لنا يقال له : أبو عباد  ، عن  عبد الله بن محمد بن عقيل  ، عن  جابر بن عبد الله  قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته ، فقال : " أولئك أصحاب الأعراف ، لم يدخلوها وهم يطمعون  " 
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه من وجه آخر ، عن سعيد بن سلمة  عن أبي الحسام  ، عن محمد بن المنكدر  عن رجل من مزينة  قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف ، فقال : " إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم ، فقتلوا في سبيل الله  " 
وقال  سعيد بن منصور   : حدثنا أبو معشر  ، حدثنا يحيى بن شبل  ، عن يحيى بن عبد الرحمن المزني  عن أبيه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " أصحاب الأعراف " فقال : " هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم ، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم النار قتلهم في سبيل الله  " 
 [ ص: 419 ] هكذا رواه ابن مردويه  ،  وابن جرير  ،  وابن أبي حاتم  من طرق ، عن أبي معشر  به وكذلك رواه ابن ماجه  مرفوعا ، من حديث ابن عباس   وأبي سعيد الخدري  رضي الله عنهما والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة وقصاراها أن تكون موقوفة وفيه دلالة على ما ذكر . 
وقال ابن جرير   : حدثني يعقوب ،  حدثنا هشيم ،  أخبرنا حصين ،  عن الشعبي ،  عن حذيفة;  أنه سئل عن أصحاب الأعراف ، قال : فقال : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة ، وخلفت بهم حسناتهم عن النار . قال : فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم  . 
وقد رواه من وجه آخر أبسط من هذا فقال : 
حدثنا ابن حميد  ، حدثنا  يحيى بن واضح  ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق  قال : قال الشعبي   : أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن   - وعنده  أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش   - وإذا هما قد ذكرا من أصحاب الأعراف ذكرا ليس كما ذكرا ، فقلت لهما : إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة ،  فقالا هات . فقلت : إن حذيفة  ذكر أصحاب الأعراف فقال : هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار ، وقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة ، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا : ( ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين   ) فبينا هم كذلك ، اطلع عليهم ربك فقال لهم : اذهبوا فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم  . 
وقال  عبد الله بن المبارك  ، عن أبي بكر الهذلي  قال : قال سعيد بن جبير  ، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود  قال يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار . ثم قرأ قول الله : ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون  ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون   ) [ المؤمنون : 102 ، 103 ] ثم قال : إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ، قال : ومن استوت حسناته وسيئاته كان من  [ ص: 420 ] أصحاب الأعراف ، فوقفوا على الصراط ، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا : سلام عليكم ، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار قالوا : ( ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين   ) فتعوذوا بالله من منازلهم . قال : فأما أصحاب الحسنات ، فإنهم يعطون نورا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويعطى كل عبد يومئذ نورا ، وكل أمة نورا ، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة . فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا : ( ربنا أتمم لنا نورنا   ) [ التحريم : 8 ] . وأما أصحاب الأعراف ، فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع ، فهنالك يقول الله تعالى : ( لم يدخلوها وهم يطمعون   ) فكان الطمع دخولا . قال : وقال ابن مسعود   : على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر ، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة . ثم يقول : هلك من غلبت واحدته أعشاره  . 
رواه ابن جرير  وقال أيضا : 
حدثني ابن وكيع  وابن حميد  قالا حدثنا جرير ،  عن منصور ،  عن حبيب بن أبي ثابت  ، عن عبد الله بن الحارث  ، عن ابن عباس  قال : " الأعراف " : السور الذي بين الجنة والنار ، وأصحاب الأعراف بذلك المكان ، حتى إذا بدأ الله أن يعافيهم ، انطلق بهم إلى نهر يقال له : " الحياة " ، حافتاه قصب الذهب ، مكلل باللؤلؤ ، ترابه المسك ، فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم ، وتبدو في نحورهم بيضاء يعرفون بها ، حتى إذا صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن تبارك وتعالى فقال : تمنوا ما شئتم فيتمنون ، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم : لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفا . فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ، يسمون مساكين أهل الجنة  . 
وكذا رواه ابن أبي حاتم  ، عن أبيه ، عن يحيى بن المغيرة  ، عن جرير ،  به . وقد رواه  سفيان الثوري  ، عن حبيب بن أبي ثابت  ، عن مجاهد ،  عن عبد الله بن الحارث  ، من قوله وهذا أصح ، والله أعلم . وهكذا روي عن مجاهد  والضحاك  وغير واحد . 
وقال  سنيد بن داود   : حدثني جرير ،  عن عمارة بن القعقاع  ، عن أبي زرعة  عن عمرو بن جرير  قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف ، قال : هم آخر من يفصل بينهم من العباد ، فإذا فرغ رب العالمين من فصله بين العباد قال : أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ، ولم تدخلوا الجنة ، فأنتم عتقائي ، فارعوا من الجنة حيث شئتم  " وهذا مرسل حسن . 
 [ ص: 421 ] وروى  الحافظ ابن عساكر  في ترجمة " الوليد بن موسى   " ، عن منبه بن عثمان  عن عروة بن رويم  ، عن الحسن ،  عن أنس بن مالك  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم; أن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب ، فسألناه عن ثوابهم فقال : " على الأعراف ، وليسوا في الجنة مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم . فسألناه : وما الأعراف؟ فقال : " حائط الجنة تجري فيها الأنهار ، وتنبت فيه الأشجار والثمار  " 
رواه  البيهقي ،  عن ابن بشران  ، عن علي بن محمد المصري  ، عن يوسف بن يزيد  ، عن الوليد بن موسى  ، به . 
وقال  سفيان الثوري  ، عن خصيف ،  عن مجاهد  قال : أصحاب الأعراف : قوم صالحون فقهاء علماء  . 
وقال ابن جرير   : حدثنا يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا  ابن علية  ، عن سليمان التيمي  ، عن أبي مجلز  في قوله تعالى : ( وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم   ) قال : هم رجال من الملائكة ، يعرفون أهل الجنة وأهل النار ، قال : ( ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون  وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين  ونادى أصحاب الأعراف رجالا   ) في النار ( يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون  أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة   ) قال : فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة : ( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون   )  . 
وهذا صحيح إلى أبي مجلز لاحق بن حميد  أحد التابعين ، وهو غريب من قوله وخلاف الظاهر من السياق : وقول الجمهور مقدم على قوله ، بدلالة الآية على ما ذهبوا إليه . وكذا قول مجاهد   : إنهم قوم صالحون علماء فقهاء فيه غرابة أيضا . والله أعلم . 
وقد حكى القرطبي  وغيره فيهم اثني عشر قولا منها : أنهم شهدوا أنهم صلحاء تفرعوا من فرع الآخرة ، دخلوا يطلعون على أخبار الناس . 
وقيل : هم أنبياء . وقيل : ملائكة . 
وقوله تعالى : ( يعرفون كلا بسيماهم   )  قال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  قال : يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه ، وأهل النار بسواد الوجوه  . وكذا روى الضحاك ،  عنه . 
وقال العوفي  ، عن ابن عباس  أنزلهم الله بتلك المنزلة ، ليعرفوا من في الجنة والنار ، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه ، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين . وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام ، لم يدخلوها ، وهم يطمعون أن يدخلوها ، وهم داخلوها إن شاء الله  . 
وكذا قال مجاهد ،  والضحاك ،   والسدي ،  والحسن ،   وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم   . 
 [ ص: 422 ] وقال معمر ،  عن الحسن   : إنه تلا هذه الآية : ( لم يدخلوها وهم يطمعون   ) قال : والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم ، إلا لكرامة يريدها بهم  . 
وقال قتادة  قد أنبأكم الله بمكانهم من الطمع . 
وقوله : ( وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين   ) قال الضحاك ،  عن ابن عباس   : إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا : ( ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين   )  . 
وقال  السدي   : وإذا مروا بهم - يعني بأصحاب الأعراف - بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا : ( ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين   ) . 
وقال عكرمة   : تحدد وجوههم في النار ، فإذا رأوا أصحاب الجنة ذهب ذلك عنهم  . 
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم  في قوله : ( وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار   ) فرأوا وجوههم مسودة ، وأعينهم مزرقة ، ( قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين   ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					