( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله  ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون   ( 30 ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون   ( 31 ) ) 
وهذا إغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال المشركين الكفار من اليهود  والنصارى  ؛ لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة ، والفرية على الله تعالى ، فأما اليهود  فقالوا في العزير : " إنه ابن الله " ، تعالى [ الله ] عن ذلك علوا كبيرا . وذكر  السدي  وغيره أن الشبهة التي حصلت لهم في ذلك ، أن العمالقة لما غلبت على بني إسرائيل ، فقتلوا علماءهم وسبوا كبارهم ، بقي العزير  يبكي على بني إسرائيل وذهاب العلم منهم ، حتى سقطت جفون عينيه ، فبينا هو ذات يوم إذ مر على جبانة ، وإذ امرأة تبكي عند قبر وهي تقول : وامطعماه ! واكاسياه ! [ فقال لها ويحك ] من كان يطعمك قبل هذا ؟ قالت : الله . قال : فإن الله حي لا يموت ! قالت : يا عزير  فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل ؟ قال : الله . قالت : فلم تبكي عليهم ؟ فعرف أنه شيء قد وعظ به . ثم قيل له : اذهب إلى نهر كذا فاغتسل منه ، وصل هناك ركعتين ، فإنك ستلقى هناك شيخا ، فما أطعمك فكله . فذهب ففعل ما أمر به ، فإذا شيخ فقال له : افتح فمك . ففتح فمه . فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة ، ثلاث مرات ، فرجع عزير  وهو من أعلم الناس بالتوراة ، فقال : يا بني إسرائيل ، قد جئتكم بالتوراة . فقالوا : يا عزير  ، ما كنت كذابا . فعمد فربط على إصبع من أصابعه قلما ، وكتب التوراة بإصبعه كلها ، فلما تراجع الناس من عدوهم ورجع العلماء ، وأخبروا بشأن عزير  ، فاستخرجوا النسخ التي كانوا أودعوها في الجبال ، وقابلوها بها ، فوجدوا ما جاء به صحيحا ، فقال بعض جهلتهم : إنما صنع هذا لأنه ابن الله  . 
وأما ضلال النصارى  في المسيح  فظاهر ؛ ولهذا كذب الله سبحانه الطائفتين فقال : ( ذلك قولهم بأفواههم   ) أي : لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلاقهم ، ( يضاهئون   ) أي : يشابهون ( قول الذين كفروا من قبل   ) أي : من قبلهم من الأمم ، ضلوا كما ضل هؤلاء ، ( قاتلهم الله   ) وقال ابن عباس   : لعنهم الله ، ( أنى يؤفكون   ) ؟ أي : كيف يضلون عن الحق ، وهو ظاهر ، ويعدلون إلى الباطل ؟ . 
 [ ص: 135 ]  [ وقوله ] ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم   ) روى  الإمام أحمد  ،  والترمذي  ،  وابن جرير  من طرق ، عن عدي بن حاتم   - رضي الله عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فر إلى الشام  ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، فأسرت أخته وجماعة من قومه ، ثم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أخته وأعطاها ، فرجعت إلى أخيها ، ورغبته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم عدي  المدينة  ، وكان رئيسا في قومه طيئ  ، وأبوه حاتم الطائي  المشهور بالكرم ، فتحدث الناس بقدومه ، فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي عنق عدي  صليب من فضة ، فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله   ) قال : فقلت : إنهم لم يعبدوهم . فقال : بلى ، إنهم حرموا عليهم الحلال ، وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا عدي  ، ما تقول ؟ أيفرك أن يقال : الله أكبر ؟ فهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ ما يفرك ؟ أيفرك أن يقال : لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم من إله إلا الله ؟ ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم ، وشهد شهادة الحق ، قال : فلقد رأيت وجهه استبشر ثم قال : إن اليهود  مغضوب عليهم ، والنصارى  ضالون . 
وهكذا قال حذيفة بن اليمان  ،  وعبد الله بن عباس  ، وغيرهما في تفسير : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله   ) إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا . 
وقال  السدي   : استنصحوا الرجال ، وتركوا كتاب الله وراء ظهورهم . 
ولهذا قال تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا   ) أي : الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام ، وما حلله حل ، وما شرعه اتبع ، وما حكم به نفذ . 
( لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون   ) أي : تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد والأولاد ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					