( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين    ( 83 ) ) 
يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى ،  عليه السلام ، مع ما جاء به من الآيات البينات والحجج القاطعات والبراهين الساطعات ، إلا قليل من قوم فرعون ،  من الذرية - وهم الشباب - على وجل وخوف منه ومن ملئه ، أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر ؛ لأن فرعون كان جبارا عنيدا مسرفا في التمرد والعتو ، وكانت له سطوة ومهابة ، تخاف رعيته منه خوفا شديدا . 
قال العوفي   : عن ابن عباس   : ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم   ) قال : فإن الذرية التي آمنت لموسى ،  من أناس غير بني إسرائيل ، من قوم فرعون  يسير ، منهم : امرأة فرعون ،  ومؤمن آل فرعون ،  وخازن فرعون ،  وامرأة خازنه . 
وروى علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  في قوله : ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه   ) يقول : بني إسرائيل . 
وعن ابن عباس  ، والضحاك ،  وقتادة   ( الذرية ) : القليل . 
وقال مجاهد  في قوله : ( إلا ذرية من قومه   ) يقول : بني إسرائيل . قال : هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى ،  من طول الزمان ، ومات آباؤهم . 
واختار ابن جرير  قول مجاهد  في الذرية : أنها من بني إسرائيل لا من قوم فرعون ،  لعود الضمير على أقرب المذكورين .  [ ص: 288 ] 
وفي هذا نظر ؛ لأنه أراد بالذرية الأحداث والشباب وأنهم من بني إسرائيل ، فالمعروف أن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى ،  عليه السلام ، واستبشروا به ، وقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم المتقدمة ، وأن الله تعالى سينقذهم به من أسر فرعون  ويظهرهم عليه ؛ ولهذا لما بلغ هذا فرعون  حذر كل الحذر فلم يجد عنه شيئا . ولما جاء موسى  آذاهم فرعون أشد الأذى ، و ( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون   ) [ الأعراف : 129 ] . وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إلا ذرية من قوم موسى ، وهم بنو إسرائيل ؟ . 
( على خوف من فرعون وملئهم   ) أي : وأشراف قومهم أن يفتنهم ، ولم يكن في بني إسرائيل من يخاف منه أن يفتن عن الإيمان سوى قارون ،  فإنه كان من قوم موسى ،  فبغى عليهم ؛ لكنه كان طاويا إلى فرعون ،  متصلا به ، متعلقا بحباله ومن قال : إن الضمير في قوله : ( وملئهم   ) عائد إلى فرعون ،  وعظم الملك من أجل اتباعه أو بحذف " آل " فرعون ،  وإقامة المضاف إليه مقامه - فقد أبعد ، وإن كان ابن جرير  قد حكاهما عن بعض النحاة . ومما يدل على أنه لم يكن في بني إسرائيل إلا مؤمن قوله تعالى : 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					